الأحد، 8 يونيو 2014

احتراق نظرية !



- مفكر عربي ((كبير))  بنظارته  الكبيرة يشرّح و يمعن النظر في الكتب والصفحات  يقرأ 

الواقع ليكتب نظريته : (أ) .


-شاب ((صغينون)) في أمريكا يبتكر شيئا جميلا ويغير في العالم ويحرقُ نظرية  (أ) ؛ 

لتصبح شيئا قديما عفى عليه الزمن  ! 


-يعود المفكر  العربي ليقول بنظريته الجديدة  (ب) بعد اكتشاف ذلك الشاب ((الصغينون)) !


- من الذي ابتكر نظرية ذلك المفكر العربي ؟! 


-العالم : ابتكار فعّال !





الأحد، 1 يونيو 2014

ولادة شاعر عربي





الشّعرُ كائن جماليّ علاقته وثيقة بالإنسان العربيّ؛ إذ تتناغمُ إيقاعات ذلك الكائن مع نبضات فؤاد ذلك العربي.
وإذا أمعنا النظر في الذاكرة القديمة لتلك العلاقة سنجد أنها ملأى بمشاهد تجسّد شدّة الوثاقِ بينهما سنرى ذلك العربي السجين الذي قال أبياتاً فعفا عنه الوالي، أو ذلك العالمُ الذي ينظم شرحه في أبيات مموسقة ليحفظها التلاميذ أو أبيات بسيطة تشعل حرباً لسنين طويلة، أو عدد الشعراء الذين ظهروا في العصور الماضية ورسموا أجمل لوحات الحب ولونوها بحكمهم الخالدة ولا تمل أعيننا من رؤيتها وكأنها صور متحركة كل يوم تتغير بصورة أجمل عن سابقتها لجمالها الأخاذ ولحكمتها البليغة.. وغيرها من المشاهد الكثيرة؛ لكن الذاكرة العتيقة لذلك الكائن الجمالي الأخاذ لم تسعفهُ في مقابل أجناس أدبية أخرى كالرواية، انحسر حتى غصّت مئات المقالات بكلمتين «وهميتين»: موت الشعر! 

المتأمل في ذلك الانحسار الخانق للشعر سيجد أن أهم أسبابه هو: غياب الشاعر الحقيقي المستقل المؤمن بقضيته، وما أحوجنا إليه اليوم في هذه الأجواء المتوترة الحزبية والخلافات الطائفية المقيتة والاصطفافات الفكرية المنعزلة عن الحوار المتراشقة بالألفاظ وعبارات التخوين، ونلاحظ أن معظم الأطراف الفكرية العربية المتنازعة تتحد وتصفق عند بيت نزاري رقيق أو عند إيقاع أسطوري مدهش لدرويش أو عند عبارة ساخرة لاذعة مطرية! 

والمتأمل في أولئك الشعراء الثلاثة - على سبيل المثال لا الحصر - نستنتج أنه يجمعهم مثلث وصفي أضلاعه:

١- الاستقلالية بشموليتها: نزار مستقل وعانى من ملاحقة السلطات والمنع، ومحمود لم يقبل بمنصب سياسي كان مستقلًا عن السياسة، وأحمد مطر كانت نتيجة استقلاله منفى وصمت طويل وتلك أمثلة على استقلاليتهم الشاملة.

٢ - الإيمان بقضية ما حتى اللحظة الأخيرة: نزار كانت قضيته المرأة حتى لُقّب بشاعر المرأة، ومحمود كانت أنفاسه: قضية فلسطين وأحمد مطر شاغب الحرية المُصادرة في العالم العربي وصارت قضيته الأولى.

٣ - الدهشة في العرض: نزار أدهشنا بتصاويره وجعل اللغة الشعرية عذبة ورقيقة ومن تفاصيل حياتنا اليومية، ومحمود (أنسن) قضيته بشعره الأسطوري الفريد، وأحمد لوّح بلافتاته الإيقاعية الساخرة وعرف الناس قضيته.

حتى وإن اختلفت الآراء حول طريقة عرضهم لقضاياهم؛ إلا أن ذلك المثلث الوصفي الاستنتاجي الواضح كوضوح الشمس لا أحد يستطيع أن يغطيه بغربال التشكيك به أو إنكاره عنهم. 
وعلى الرغم من وجود آلاف الشعراء العرب اليوم إلا أنه من النادر أن نجد فيهم تلك الصفات الثلاث ربما نجدُ فيهم الضلع الأول والثاني؛ ولكن الضلع الذهبي الأول نادر وثمنه باهظ جداً.

متى سيولد ذلك الشاعر العربي الذي يوحد تلك الاصطفافات الفكرية المتنازعة عند كلماته المدهشة الرائعة ويعزف على وترِ قضية إنسانية يؤمن بها حتى اللحظة الأخيرة؛ وليرسم اللوحات الجميلة ويزرع زهور الأمل في الأرجاء وينثر عبير الفرح في الأزقّة والطرقات وينعش نبض اللغة ويرشّ رذاذ التفاؤل في الهواء ويعيد شدّ تلك العلاقة الوثيقة بين إيقاعات الكائن الجمالي ونبضات قلب الإنسان العربي بدلاً من تلك الخلافات والاصطفافات المقيتة ودخان التمزق والتراشق بالألفاظ..؟
إذا توافرت تلك الصفات الثلاث أزف إليكم بشرى ولادة شاعر عربي حقيقي! 



*نشر في مجلة اليمامة بتاريخ : 24 أبريل 2014م


حوار: الكاتب الأستاذ شايع الوقيان .. وشؤون الفلسفة العربية .. حاوره: حمد الدريهم



يُعدّ الكاتب الأستاذ / شايع الوقيان من أبرز الكتّاب السعوديين الذين اهتموا بالكتابة الفلسفية عبر مقالاته الإسبوعية في صحيفة عكاظ ، وهو عضو مؤسس للحلقة الفلسفية بالنادي الأدبي بالرياض وله مؤلفان :


١- الفلسفة بين الفن والأيدلوجيا .
٢- قراءات في الخطاب الفلسفي .


وله العديد من المؤلفات المشتركة منها :
أوراق فلسفية بجزئيه الأول والثاني  الصادر عن النادي الأدبي بالرياض .


ذهبنا معه  في هذا الحوار الماتع  إلى مسائل وقضايا فلسفية  مثل ما بعد الحداثة ، و مدى تأثير الربيع العربي على النتاج الفلسفي  و عن رؤيته لمستقبل الفلسفة في العالم العربي و المملكة العربية السعودية بشكل خاص وغيرها من القضايا الراهنة   .


فإليكم هذا الحوار :


س١ / يقول برتراند راسل :  بأن العلم هو ما تعرف والفلسفة هي ما لا تعرف .. فهل نستطيع  أن نُعطي تعريفا آخر للفلسفة ؟


ج/ كان راسل في معرض حديثه ينتقد بنوع من السخرية ويمكننا أن نعيد صياغة مقولة راسل بطريقة أكثر جدية ونقول بإن العلم جواب والفلسفة سؤال. هنا يبرز الدور العظيم الذي يمكن للفلسفة أن تلعبه في حياة الفكر. هل يمكن إعطاء تعريف آخر للفلسفة؟ بالطبع وقد حصل مرارا ويحصل اليوم كثيرا. لكن برأيي أن "التعريف" لا يكشف عن حقيقة الفلسفة، فالتعريف بالعادة مرتبط بالمذهب الفلسفي الذي ينطلق منه صاحب التعريف وهذا يجعله بالضرورة تعريفا غير جامع. كما أن التعريف ذو طبيعة استقرائية، أي إنه يتعلق بالوجود الفعلي للنص الفلسفي لكنه لا يستطيع القبض على احتمالات النص وممكناته. دائماً ما أُسأل عن تعريف الفلسفة، وأجد في نفسي حرجا من الجواب، لأن السؤال والجواب كليهما لا يغنيان عن المرء شيئا. وكنت أجيب أن أفضل طريق لمعرفة ماهية الفلسفة تكون بممارسة الفلسفة نفسها. وقد يكون فجاً لو قلتُ إن الفلسفة لا يمكن أن يعرفها بشكل صحيح إلا الفلاسفةُ. وهذا تنويع على الفكرة السالفة بأنه من اللازم ممارسة التفلسف حتى نلج إلى عالم الفلسفة.




 س٢/ في تاريخنا الثقافي و الفكري هل نستطيع أن نحدد أسماء بعينها ونطلق عليها كلمة فيلسوف ؟


ج٢/ طبعا هناك فلاسفة عرب وإسلاميون في تاريخنا الطويل، بدءا من المتكلمة والمعتزلة كالعلاف والنظام وغيرهما ومرورا بالفلاسفة التقنيين كالكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وانتهاء بالفلاسفة الأكاديميين كزكي نجيب محمود وعثمان أمين ويوسف كرم وعبدالرحمن بدوي وعزيز لحبابي وطه عبدالرحمن. يضاف إليهم فلاسفة ما بعد الحداثة كعلي حرب وعبدالسلام بن عبدالعالي وفتحى التريكي والسيد ولد أباه ومحمد البنكي وشوقي الزين. وأنا أميل أيضا لإطلاق صفة الفيلسوف على طلاب الفلسفة الذين يمارسون الفلسفة فعليا وبصورة إبداعية ولدينا في منطقة الخليج وخصوصا السعودية نهضة شبابية من هذا النوع.
في العصر الحديث لم تعد هناك حدود "أجناسية" واضحة بين الفلسفة والأدب، لذا فيمكن اعتبار منظري الأدب وليس نقاده فلاسفة بهذا المعنى كالغذامي وصلاح فضل والبازعي والمسدي وجابر عصفور وغيرهم.




  س٣/ في المملكة العربية السعودية برز مؤخرا تيار فلسفي صاعد ؟ بماذا تفسر ذلك البروز ؟
 



أعتقد أن الانهمام الفلسفي الذي نلمسه مؤخرا في بلادنا يعد نوعا ما نتيجة لتطور تاريخي واجتماعي سابق. ففي الدولة الحديثة بدأت نهضة في الشعر والكتابة الأدبية والصحافية مع محمد حسن عواد وشحاتة و وعبدالله عبدالجبار وعبدالكريم الجهيمان وغيرهم.. وتطورت إلى بروز ما يسمى بالحداثة. وهي حداثة أدبية رادها الغذامي والسريحي والثبيتي والصيخان وغيرهم. الصراع بين أدباء الحداثة وأدباء القدامة بدأ أدبيا حقا، لكنه سرعان ما تحول لسجال آيديولوجي بعد دخول رجال الفكر الصحوي على الخط. الصراع بين الحداثة والصحوة تحول بعد أحداث سبتمبر وتفجيرات الرياض إلى صراع جديد برز فيه فكر تنويري ليبرالي مسلح بمفاهيم وقيم جديدة، مع بقاء الصحويين بوصفهم الطرف المضاد. إذن لدينا حقبتان من الفكر الجديد هما الحداثة الأدبية والليبرالية الفكرية. الثاني تعتبر أقرب إلى الفلسفة لأنها تتناول مفاهيم فلسفية راسخة تحديدا في الفلسفة السياسية والاجتماعية، لذا فلا غرابة أن يكون تعرّف الشباب على فولتير وروسو وجون لوك سابق على معرفتهم بكانط وهيجل وهايدجر. لأن الأوائل كانوا يتناولون قضايا مباشرة كالتي نتعرض لها اليوم كالمجتمع المدني وتجديد الفكر الديني والحرية والمساواة ونحوها.لذا من فضائل الليبرالية السعودية أنها قادت مباشرة إلى التعرف على الفلسفة. إضافة إلى دور التقنية والإنترنت في تسهيل الحصول على مصادر الفكر الفلسفي.




 س٤ /  يقال بأن : (كل إنسان فيلسوف بطبيعته)  ؛ بالرغم من ذلك تخشى المؤسسة الرسمية  في السعودية  تدريس الفلسفة لماذا برأيك  ؟ 


لا أعتقد أننا يمكن أن نأخذ عبارة ( كل إنسان فيلسوف بطبعه) على نحو جاد. أقصد إنها لا تتجاوز الإشارة إلى كون الإنسان ذا عقل. والعقل بطبعه لا يكون عقلا ما لم يفهم ولن يفهم حتى يسأل ويبحث. من هنا نجد أن الطفل أكثر تفلسفا إذا أخذنا العبارة أعلاه بجدية من الإنسان الراشد التقليدي. فالطفل يسأل بجدية عن الظواهر وعن كل شيء يحدث أمامه. ولو شئنا الاقتراب من الدقة أكثر لقلنا ( كل طفل بطبعه فيلسوف). الإنسان العادي يرى أن أسئلة الطفل سخيفة ولا غرابة أيضا أن يعتبر أسئلة الفلاسفة سخيفة أيضا.. وهنا يتلاقى الطفل مع الفيلسوف في كونهما ينظران للأشياء المألوفة بنظر غير مألوفة.
امتناع المؤسسة التعليمية في السعودية عن تدريس الفلسفة ليس له سوى سبب واحد وهو أن المؤسسة تعبر عن الفكر السلفي، والفكر السلفي ذو موقف عدائي من الفلسفة ليس لأنه أحاط بالفلسفة علما بل لأن مشائخهم القدماء حاربوا الفلسفة كابن تيمية وابن القيم .


  س٥ / أيهما أكثر فاعلية وتأثيرا ، الفلسفة خارج المؤسسة الرسمية أم داخلها ولماذا برأيك  ؟ 

ج٥/ عربيا، الفلسفة أكثر فاعلية خارج إطار الأكاديميا، لكن في دول أخرى كبريطانيا وأمريكا واليابان وألمانيا فللأكاديميا دور فاعل رغم أنها أحيانا تقف عائقا أمام بعض التجديدات. من هنا نتفهم كيف أن الفلاسفة الفرنسيين تحديدا الذين يمتازون عن غيرهم بالروح الثورية الملازمة لهم يرتابون كثيرا في الأكاديميا.
 

   س٦/ ما هو تقييمك لتجربة الحلقة الفلسفية بالنادي الأدبي بالرياض ومدى التفاعل معها من المجتمع و من فئة الشباب خاصة ؟ 





ج٦/ حلقة الرياض الفلسفية تمتاز بأنها علقت الجرس كما يقال. والتفاعل فيها مثر والحضور يزداد نوعا ما.. وأعتقد أن لها دورا في نشر الفكر الفلسفي في البلد أو على الأقل في الرياض. المجتمع غير متفاعل معها ولا يعرف عنها شيئا. فقط فئة من الشباب المهتمين. المجتمع السعودي لا زال مرتهنا لخطاب واحد هو الخطاب السلفي بكل تمظهرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكل ما ليس سلفيا فلن يكون له حضور اجتماعي مع استثناءات قليلة تتعلق بالأنشطة الترويحية كالرياضة والموسيقى والسينما. ورغم أن حفلات الموسيقى ودور السينما معدومة تقريبا داخل حدود البلد إلا أن تفاعل المجتمع معها قوي جدا والحضور الكثيف للسعوديين في دبي والبحرين ومصر دليل على ذلك.
مع ذلك، فالفلسفة على مدى تاريخها الطويل ليست بذات شعبية. وحتى منذ الإغريق فقد كان الفلاسفة عرضة للسخرية من الناس، ويشير هيجل في رسالة إلى أخته إلى أن عدد طلابه في إحدى المحاضرات لم يتحاوز الأربعة، رغم أن هيجل كان في وقته مالئ الدنيا وشاغل الناس.



 
  س٧/ ما مدى تأثير أحداث الربيع العربي  على النتاج الفلسفي العربي ؟
 


الربيع العربي كان ولا يزال حدثا دراميا غريبا على المثقف العربي وربما يكون ظاهرة فريدة من نوعها على الأقل في العصر الحديث، حيث لم يشهد العالم العربي ثورات شعبية خالصة بمثل هذه السعة والحدة. ولا أخفيك أن الربيع العربي كشف عن تهافت كثير من المفكرين والأباء الذين تكشفت سذاجتهم البالغة في التعاطي مع الحدث؛ أقصد إن الكثيرين نسوا الطبيعة المغايرة للمجتمع وللتاريخ والتعقيد الهائل لهما التي تجعل المقارنة بينهما وبين الحوادث الجزئية والفردية أمرا بالغ الغرابة. مثلا، هناك من غلب عليه الظن أن مشاكل البلدان التي ظهرت فيها الثورات ستحل بمجرد سقوط النظام القديم. وهذا خطأ. فنتائج الربيع العربي لن تظهر في سنة أو ثلاث أو حتى أكثر. فالظواهر الاجتماعية الحدية لا تستبين ملامحها إلا بعد انقضائها وبقاء أثرها.
ما أريد الخلوص إليه هو أن الربيع العربي وبسبب من دراميته التي تجعله "فعلا مستمرا" لا يسمح بالتنظير والتدبر ليس له أثر حالي على النتاج الفلسفي والأدبي.. وسيظهر الأثر لاحقا متى ما تحقق النجاح للحراك الديمقراطي الذي لا يزال يواجه عوائق ربما لا يكون له بها قبَل.


         


  س٨/ نُقد التراث العربي والإسلامي على أيدِ  فلاسفة عرب  وبعض فلاسفة الغرب .. ما الفرق بينهما و ما تقييمك لهاتين التجربتين ومدى تأثيرهما الحضاري  ؟
 




مشروع نقد التراث أدى إلى نتائج رائعة وغنية حتى الآن. وأعتقد أن الحراك الفكري الذي تشهده السعودية اليوم والذي شهدته بلدان أخرى بالأمس كان بسبب هذا التوجه النقدي الجديد. وقد أشرت في غير موضع إلى أن نقد الجابري وأركون وحنفي وجعيط وغيرهم للتراث أثر بشكل عميق في المتلقي السعودي كاتبا أو قارئا.
برأيي أن أول من بدأ النقد الجاد للتراث في العصر الحديث هم رواد النهضة العربية كفرح أنطون وشبلي شميل وأحمد لطفي السيد والكواكبي. لكن نقدهم رغم ذلك لم يكن شاملا بل اقتصر على جوانب التراث السياسي تقريبا. وكان أثرهم في تعريف القارئ العربي بمذاهب فلسفية سياسية لم يكن له بها علم. النقد الشامل جاء تقريبا مع جهود طه حسين ولويس عوض والعقاد والمفكرين القوميين، ومع ذلك فقد كان نقدهم يرمي إلى التأسيس لا التفكيك. لذا نجدهم يهدفون من نقد وتحليل التراث إلى إيجاد شرعية ما للنظريات المحدثة. كما أنهم متأثرين بالخطاب النقدي الغربي أو الاستشراقي. وجهود المستشرقين كانت عظيمة في تحليل الفكر الإسلامي القديم واستظهار شخصيات ومذاهب تاريخية كانت مغيبة كابن رشد وابن خلدون وغيرهما. إلا أن الخطاب الاستشراقي يظل خطابا غربيا ولا علاقة له بالواقع العربي. ومن هنا جاء نقد إدوارد سعيد له وتفكيكه للنزعة المركزية التي تشكل بؤرته الدلالية. جيل السبعينيات وما تلاها وهو جيل الجابري وحنفي وأركون وطرابيشي وطيب تيزيني ومحمد جابر الأنصاري وغيرهم كان جيل النقد بمعناه الحقيقي. أقصد إنه نقد للتراث من داخل التراث ولكن على أرض الواقع العربي وهمومه. وقد مارس نوعا من القطيعة المعرفية مع خطاب الاستشراق خصوصا بعد نقد إدرواد سعيد وما بعد الكولونيالية له وأيضا كتاب هشام جعيط أوربا والإسلام. هذا النقد العلمي للتراث – وإن غلب عليه أحيانا بعض التحيزات القومية أو المذهبية- لا زال فاعلا اليوم. وأعتقد أن الليبرالية السعودية تدين في ظهورها لهذا النقد .



  س٩ /  ذكرت في كتابك الفلسفة بين الفن والأيدولوجيا بأن ((العولمة كواقع عصري هي إرث الإنسانية الذي انتهى في صيغة  أوروبية ؛مع نضوج العقل الأوروبي وإنضاجه لهذا الإرث))  هل تمزقت تلك العولمة ودخلنا إلى زمن ما بعد العولمة ؟ 


هناك ميل في الفكر العالمي إلى الما بعديات. وبرأيي أن هذه المابعديات لا تعبر بدقة عن تحقيب تاريخي-فكري أصيل. صحيح أن هناك فروقا بين ما يسمى الحداثة وما بعد الحداثة مثلا، لكن لا مبرر لاستعمال تلك الألفاظ القطعية لأن الما بعد ليس سوى تطوير طبيعي وتلقائي لما قبله. فالحداثة وما بعد الحداثة يمكن جمعهما في إطار أشمل وهو الحداثة ذاتها. من هنا يتضح أن الفرق ليس جوهريا ولا حتى فرق في الدرجة ولكنه فرق في الأدوات النقدية وفضاء البحث ذاته؛ فالما بعد حداثيين عاشوا في عصر التطور التقني والمعلوماتي والتواصل الحضاري مما أعطى لأفكار الحداثة أبعادا عالمية مع بعض التغيرات التي تلزم عن هذا التوسع.. أقصد أن الحداثة فعلا كانت خطابا أوربيا، لكنها في إطار الما بعد صارت خطابا كونيا وهذا يفسر غياب فلاسفة غير أوربيين في الأولى وحضورهم في الأخرى كإدوارد سعيد وإعجاز أحمد وهومي بابا وأمارتيا صن وغيرهم.
من هذا المنطلق فالعولمة وما بعدها هما فكرة واحدة ولكن ربما اختلفت الأدوات واتسع الميدان. وبرأيي أن الفكرة الأصلية للعولمة تدل لغويا على العالمية. ومن هنا فأي دعوى لما بعد العالمية لن تكون سوى إقليمية أو جهوية. شخصيا أميل لاستخدام العولمة بل إنها هي ذاتها التي تعبر عن تجاوز الفكر والممارسة للإطار التاريخي الغربي وانفتاحه على فضاءات جديدة.




  س١٠/ إلى أين يمضي الخطاب الفلسفي للمشاريع الفلسفية  .. هل توقف عند خطاب ال(مابعد) ؟  


الفلسفة لها "ما بعد" وهو التفكيك الديريدي والفوكوي والدولوزي. أو "النيتشوية" على الإجمال. النيتشوية هي تعبير عن الشكية العارمة وتدمير أسس التفكير المنطقي واللغوي. ورغم الإنجازات العظيمة لهذه المدرسة إلا أن هناك شعورا اليوم بالتململ منها. وهذا التململ يستعيد أطروحات بعض الفلاسفة الذين كان لهم موقف حذر من "ما بعد الحداثة الفلسفية" كهابرماس وريكور في الفلسفة القارية ومايكل دوميت وفريدرك جيمسون مثلا في الفلسفة الأنجلو أمريكية. هذا التململ يتم التعبير عنه في صورة نقد لعجز ما بعد الحداثة عن إقامة نظريات في التواصل مثلا أو في التأويل ؛ بل حتى في السياسة تعرضوا لنقد إدوارد سعيد لانسحابهم خشية الوقوع في الأدلجة. وكذلك انتقد فوكو الذي دعا إلى انعزال المثقف والتخلي عن النموذج السارتري؛ أي نموذج المثقف الملتزم بالقضايا الإنسانية والدولية.

ما بعد الحداثة فلسفة تبرهن على شيء واحد وهو أننا لا نستطيع البرهنة على شيء. وهذه من مفارقاتها. وقد تناولت في كتابي "الفلسفة بين الفن والآيديولوجيا" موقف ما بعد الحداثة وأسميته أزمة الوعي بالأزمة. بمعنى أن خطاب ما بعد الحداثة بطبيعته سلبي (نقدي) والنقد بالعادة يتناول الوضع السائد حتى يقضي عليه فإذا انتهت مهمته تكشفت أزمته، فلا يجد بدا من ممارسة نوع من النقد الذاتي الراديكالي والذي سيفضي به في النهاية إلى تجاوز نفسه والتوجه نحو مرحلة بنائية جديدة، وهذا تقريبا ما يحدث اليوم. فالفكر (والممارسة عموما) لا يمكن أن يؤدي إلى ما يريم إليه ما لم ينطو على وعي ذاتي ووعي بالآخر، فالوعي الذاتي مستحيل بدون الوعي بالآخر والعكس صحيح، لكن معضلة ما بعد الحداثة أنها تنكر ثنائية الأنا والآخر، ومن ثم فهي خطاب لا هوية له. وهم يقرون بذلك ويرفضون مفهوم الهوية لدرجة أن رواد هذه الحركة لم يعطوا تعريفا لها ولا حتى اسما إيجابيا ( فالما بعد ..) ليس اسما. خطاب ما بعد الحداثة الفلسفي يمضى إلى شيء آخر سواه، وهذا ما سيجعل له هوية واسما جديدا أو على الأقل اسما متفائلا لا ينطوي على ما بعد أو نهاية أو موت ... إلخ.



 س١١/ هل أصبحت النظريات الفلسفية  في العصر الحديث خاضعة لمتغيرات واكتشافات العلم وهي التي تتحكم بها  ؟
 


ج١١/ في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع العشرين ظهرت في الفلسفة مدرسة تدعى بالوضعية المنطقية. في الواقع أن الوضعية بدأت قبل ذلك في علم الاجتماع مع أوغست كونت وسنسر ودوركهايم. والوضعية بشكل عام تدعو إلى جعل الفلسفة علما. ولما فشلت دعت إلى جعل الفلسفة خادما للعلم كما كانت خادما للاهوت إبان العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية. أبرز من انتقد هذه النزعة العلموية التي تنكر أصالة الفلسفة دلتاي وهوسرل وفلاسفة الحياة عموما كبرجسون وكيركجارد. وتابع هايدجر وغادامير نقد هذه النزعة. اليوم تكاد أن تتلاشى. فالفلسفة لم تعد خادمة للعلم ولكنها مع ذلك تتأثر به. كما أن العلم ذاته قد تأثر بالفلاسفة وخصوصا المناطقة. وأبرز مثال في القرن العشرين هو تأثير كارل بوبر الفيلسوف على العلوم.

  
س١٢ / لماذا تغيب ظاهرة الفيلسوف الجماهيري بعكس الروائي الجماهيري أو الشاعر الجماهيري   ؟
 

ج١٢/الفيلسوف وَ الجماهيري كلمتان متعارضتان في ظاهرهما، فالفلسفة علم متخصص جدا ولا يتناول المسائل التي تهم الجماهير بشكل مباشر كما يفعل الروائي أو الشاعر أو الصحافي. ومع ذلك فهناك فلاسفة حازوا على نصيب من الجماهيرية أو المقروءية بين غير المتخصصين في الفلسفة.. لا يخفى أن سقراط نار على علم وهو معروف ولكن هذا يعود لمسار حياته ونهايته التراجيدية ولبعض العبارات الرائجة مثل " أعرف نفسك"، " الشيء الوحيد الذي أعرفه أنني لا أعرف شيئا". وهذا ينطبق على نيتشه حيث أن شهرته تعود للشذرات البليغة التي راجت في كتبه الأخيرة.. وجنونه والاشتباه في دوره في ظهور مذاهب القوة السياسية كالنازية. واشتهر شوبنهور لموقفه العدائي تجاه المرأة. وقل مثل ذلك فيما يتعلق ببراتراند راسل بسبب نضاله السياسي ضد الحرب والتي سجن على أثرها وكذلك موقفه من حرب فيتنام وفوزه بجائزة نوبل. الملاحظ أن المذكورين لم يشتهروا بسبب فلسفاتهم بل بسبب مواقف أخرى سياسية أو حياتية أو بسبب القدرة البلاغية للفيلسوف والتي تجعل القارئ يتناوله كأديب.
مع ذلك هناك فيلسوفان يعدان استثناءً؛ كارل ماركس وجان بول سارتر. الأول راجت أفكاره بالفعل بين الناس وعملت على إحداث تغييرات جذرية رهيبة في البلدان التي انتشرت فيها أفكاره. صحيح أن أفكاره تعرضت لبعض التشويه بعدما تمت أدلجتها واستخدامها في استقطاب الجماهير لكنها مع ذلك أثرت بشكل كبير بل إن البعض لا يعرف ماركس ولا حياته الخاصة لكنه يعرف كثير من آرائه السياسية والاقتصادية والفلسفية كمذهبه المادي.وسارتر بالمثل راجت أفكاره بصورة مشابهة وإن اقتصرت على بعض بلدان أوربا. والسبب يعود إلى أن سارتر استخدم القصة والمسرحية في نشر فكره الفلسفي. إضافة إلى أن أفكاره تمس الواقع الحي للإنسان ولمصيره.
بعد انهيار ما يسمى بالأيديولوجيات، ساد نوع من الركود ومال الفلاسفة لشيء من العزلة والكتابة الأكاديمية المتخصصة والمعقدة جدا وصار هناك خوف من الأدلجة والتبشير. لذا لم يعد الفلاسفة يكتبون للناس بل لبعضهم بعضا. لذا ليس هناك فيلسوف مشهور اليوم إلا بعض الماركسيين مثل سلافوي جيجك ونعوم تشومسكي وربما بودريار. لكن شعبيتهم لا تقارن بشعبية ماركس وسارتر ونيتشه مثلا. 




 س١٣/ ما هي رؤيتك لمستقبل الفلسفة في العالم العربي وفي السعودية بشكل خاص  ؟
 


ج١٣/ الفلسفة ليست علما نفعيا كبقية أغلب العلوم وهذا ما يجعلها سيئة السمعة عربيا. فالوضع العربي يحتاج إلى علاج فوري وفعلي ومباشر والفلسفة لا تقوم بذلك. في السعودية والخليج سيكون هناك مستقبل زاهر للفكر الفلسفي، وخصوصا عندما يتم إقراره في التعليم. ورغم خطورة التعليم على الفلسفة إذا كان الأول تعليما تقليديا محافظا إلا أن حضور الفلسفة في المناهج أفضل بكثير من غيابها.
 

 @shayaalwaqian
 @Hmd1_0

الاثنين، 12 مايو 2014


The Last Wikipedier !                 
  













In 2040 , Mark and his gangs who had " Infomania" , will destroy and burn all the theoretical  faculties of universities around the world . After that , the police will throw them  into a prison named (post-wikipedism) .then they will be   executed  . Finally , the people  will read : Death of the Last  Wikipidier as  a breaking news !



الأحد، 20 أبريل 2014

ملامِح هُويةِ العالم الجديد وأثرها على الفكر .











في عام ٢٠٠٤م ألّف المفكر الدكتور / عبدالله الغذّامي كتابه الموسومِ ب : الثقافة التلفيزيونية :سقوط النخبة وبروز الشعبي ، حيث قال فيه بسقوط النخبة في ذلك الزمن الذي يتلقى فيه الشعبي الصورة واليوم تحوّل الأمر فأصبح الشعبي هو الذي يتحكم بالصورة وقادرا على صناعة الحدث عبر وسائط العالم الجديد ك: تويتر ، فيسبوك ، يوتيوب ..الخ ؛ إذ ثمة أسئلة تلوح في الأفق حول نتائج ذلك التحول وأثره على ملامح هُوية العالم الجديد وتأثيرها على المستوى الفكري ؟

يصعبُ جدا أن نحدد وصفًا دقيقاً لهذا العالم الذي تدفقت فيه المعلومات وأصبح الإنسان البسيط هو الذي يصنع الحدث ؛ نظرا لامتلاكهِ في كفّه وسائط الإعلام الجديد :تويتر ، فيسبوك ويوتيوب وغيرها ..الخ ؛ ولكن نستطيع أن نعطي ملامح لهذا العالم التواصلي الجديد وأثر تلك الملامح على المستوى الفكري :



١-بثّ الفكرة وصناعة الحدث :

أعتقد أن هذا الزمن يتميز بميزة لم تكن موجودة في أي زمن مضى ألا وهي أن : أي إنسانٍ مهما كان لونه أو جنسه أو دينه أو عرقه وفي أي وقت كان قادر على أن يبثّ ويعرض فكرته للعالم عبر تلك الوسائط الجديدة ،على سبيل المثال : استطاع الأمريكي (تيد ويليامز) أن ينتقل من عالم التشرّدِ إلى عالم النجومية وذلك من خلالِ موهبته الفذّة على تقليد الأصوات الإذاعية القديمة . ذلك الإنسان البسيط بثّ فكرته (تقليد الأصوات الإذاعية القديمة ) عبر اليوتيوب وصنع الحدث وأصبح اليوم من النجوم البارزين في الإعلام الأمريكي .



٢-تقارب الهُويات المتباعدة :

لم يكن في مخيلةِ (جاشو فان الستاين ) ذلك الشاب الأمريكي أن يلقّب في يوم من الأيّام ب : أبي متعب و أن يُحتفى بهِ و أن يتفاعل ويحظى بمكانة خاصة لدى الشباب السعودي .بدأت شهرة ذلك الشاب الأمريكي من خلال المقاطع (اليوتيوبية) التي كان يظهر فيها متقنا للهجةِ السعودية ومولعا بالثقافة الشعبية السعودية فبدا وكأنه من مواليد الرياض أو عنيزة . لا نستطيع أن نغفل تلك الظاهرة الأمريكية :أبو متعب ؛ إذ هو مثال حيّ على تقاربِ الهُويات المتباعدة من خلال الوسائط الإعلامية الجديدة والمتمثلةِ ب :اليوتيوب .

استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تؤثر من خلال إعادة تشكيل الهُوية لدى البعيد (ثقافيا ،اجتماعيا وفكريا ) وخير الأمثلة ذلك الشاب الأمريكي -المذكور آنفاً - .



٣-القلق الحكومي من الفرد :-

شكّلت قضية (سنودون) قلقا بالغا لدى الحكومة الأمريكية عندما قام بفضحِ التجسسِ

الأمريكي على بعض الدول مما أدى إلى ملاحقته قانونيا من قبل الحكومة الأمريكية ، وهذا مثال على قلق أكبر دولة في العالم من من ذلك الشاب (سنودون) ،وظهرت الكثير من القضايا المقلقة للحكومات بسبب مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من الدول وبالأخص دول الربيع العربي إذ إن المتأمل فيها جيدا يجد أن معظمها بدأت من صفحات (الفيسبوك) والتي أنشأها أفراد بسطاء ؛ لذا أصبحت الحكومات غير قادرة على السيطرة على تلك المواقع والتحكّمِ فيها مما يستلزم عليها أن تعطي تلك المواقع أهمية في توعية الناس وفي كيفية استخدامها الاستخدام الأمثل وأنها أصبحت واقعًا لا فكاك منه .



٤-اتّساع القاعدة المعرفية :

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي رافدا مهما للتعلم ، إذ أنها أصبحت بعض الجامعات حول العالم تبث محاضراتها عبر اليوتيوب معتمدةً عليه في نشرِ المعرفة وتكاد تصل تلك المواقع إلى دور الجامعات الأكاديمية الرسمية بحيث يكون الموقع نفسه مرجعا ذاتيا للتعليم ،فعلى سبيل المثال :في السويد أُنشئت (جامعة تويتر السويدية )(Svenska Twitterunversitetet ( وتستغلّ تويتر في نقل المعرفة لروادها بدلا من تلك الفصول التقليدية . معظم الطلاب حول العالم أصبحوا بلمسة إبهام أن يحصلوا على أي معلومة وليست بكبسة زرّ كما هو شائعٌ في الوقت الماضي القريب ؛ لذا القاعدة المعرفية توسعت وهذا بدوره قد يؤدّي إلى تقلّصِ الدور الأكاديمي التقليدي في المستقبل .



٥-سيطرة الافتراضي على الواقعي :

بعد إعلان ستيف جوبز إصدار آبل الجديد :(آيفون) ومتجرها ،انهمك معظم الأفراد حول العالم في تلك الأجهزة وصارت شغلهم الشاغل إلى أن وصل حالهم إلى حدّ الإدمان ، ومع ازديادِ عدد التطبيقات على تلك الأجهزة اللوحية سيطر الافتراضي على الواقعي ؛ ونتيجة لتلك السيطرة اضطرت معظم الجهات الحكومية والمؤسسات العلمية إلى إطلاقِ تطبيقاتها على متجرِ آبل ، وفي بعض الدول صار المواطن يقضي خدماته عبر تلك التطبيقات الذكية في الأجهزة اللوحية أي أنها انتقلت من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية بمجرد لمسة إبهام يستطيع أن يقضي كل احتياجاته .



٦-انكشافُ الأفكار :

أعتقد أن أية فكرةٍ آيدلوجيةٍ أصبجت مكشوفة مساوئها ومحاسنها

وذلك بسبب أن أصحاب الأفكار الآيدلوجية في مواقع التواصل الاجتماعية أخذو في كشف مساوئ الآخر ..مثلاً أصحاب الفكرة الآيدلوجية " أ " يعرضون مساوئ الفكرة الآيدلوجية "ب" والعكس وهذا ماألحظه من خلال مشاهدتي لكثير من المقاطع اليوتيوبية . وبالتالي لا نستغرب بأن من نشأ وترعرع في الفكرة الآيدلوجية " أ " نجده في يوم ما يؤمن بالفكرة الآيدلوجية "ب" بل ويتواصل مع رموز الفكرة الآيدلوجية "ب" .



وأيضا لا نستغرب بأن دولة تحمل الفكرة الآيدلوجية "أ" نصحو في يوم من الأيام ونراها تحمل الفكرة الآيدلوجية "ب" .



كل هذا بسبب مواقع التواصل الاجتماعية التي جعلت الأفكار مفتوحة أمام الناس . باعتقادي إن الفكرة التي تحمل قيم "الخير والحق والجمال " وعرف أصحابها استخدام وعرض الفكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعية فسنراها متسيدة للعالم بأسره .



تلك ملامح لهُوية العالم الجديد المقترن بالضرورة بمواقع التواصل الاجتماعي ، ولاندري قد تتغير تلك الملامح بين ليلة وضحاها في هذا الزمن المتغير المتسارع ؛ إذ لم تكن تلك الملامح موجودة قبل ١٠ سنوات أو يزيد ..وهذا دليل على أن العالم في تبدل و تسارع وتغير ولتلك الملامح -المذكورة آنفاً- آثار على المستوى الفكري ومنها :



آثار تلك الملامح :

١-سيطرة الفرد على صناعة وبث الفكرة إذ أصبح قادرا على صناعة الحدث في أي وقت شاء ومن أي مكان .

٢-الإدمان على تلك المواقع وبالتالي أثرت بشكل مباشر على المستوى النفسي والفكري للفرد كتشتيت الذهن مثلا .

٣-تقلّص الأدوار التقليدية للمؤسسات الرسمية سواء أكانت :حكومية أو أهلية .

٤-التأثير السريع والقدرةِ على إعادةِ تشكيل الهُوية لدى الأفراد مهما كانت مسافة بعد المكان والزمان .

٥-تحول الإنسان من دوره التقليدي في الإنتاج و العمل إلى الدور الافتراضي .

٦-رفع مستوى الوعي لدى الفرد ؛بحيث أصبح يتلقى معظم الأفكار عبر تلك الوسائط لا عبر التلقين الذي تعوّد عليه .

٧-سيطرة التعاملات الالكترونية من خلال الحكومات الإلكترونية و التعاملات الذكية عبر الحكومات الذكية مما ينذر بغياب الورق في المستقبل .

- اقتران معظم القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية في المحاكم بسبب ما أفرزته تلك المواقع الاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر .





ملاحظة : هذا المقال شاركت به في مسابقة صوت التنمية بعمان ونلت المركز الثاني على مستوى العالم  العربي ولله الحمد . 

قراءة تأمُّليّة في قصيدة : السمّ العبقري لجاسمِ الصحيّح !

جاسم الصحيح 

يسيرُ في الشوارع والأزقة ، حافي القدمين ، ثيابه رثّة ، أجعد الشعر ، جاحظ العينين ، قصير القامة ، دميم الخِلقة ، لا يهتمّ لأمور بيته يلتفّ الناس حوله في الطرقات وتحت ظلّ الأشجار ويطْرِقُ عقولهم بأسئلته البدهية مثل  : ما العدالة ، ما الحق ، ما الفضيلة ، ما الخير ؟..الخ
يُشعلُ الدّهشة في أولئك التلاميذ وكأنّه كلّما سار في طريق كانت آثار خطواته استفهامات وتعجبٍ  والناس تلاحقه وتتعجب من تلك الآثار الغريبة الفريدة  لذلك الرجل وتتساءل لماذا آثار تلك الخطوات فقط  لسقراط دون غيره من رجال أثينا ؟!

لكن  حالة الرجل المتجولِ  وصاحبِ آثار خطوات الاستفهام والتعجب لم تدم طويلا وكادت أن تُمحى آثارها لولا تلميذه النابه الأستقراطي و (السّقراطي)  / أفلاطون الذي دوّنها في جمهوريته ..

بعد خسارة أثينا في حرْبِها الطويلة
 ( البلوبونيزيّة) تكوّنت حكومة إسبارطة في أثينا وترأسها (كيرتايس) أحد التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول سقراط في أثينا .  لم يعجبْ  أهل أثينا سقراط ؛ إذِ اتهموه بإفساد أخلاق الشباب وبث الأفكار الغريبة  على عقولهم ، قُدّم للمحاكمة ذلك السبعينيّ الدميم وأُدين بتلك التّهم .

قبل مشهد الختام ، كريتو يرشي السجّان ويقول لصديقه سقراط :
-هيا لنهرب خارج أثينا ؟
يردّ سقراط بهدوء :
علمتكم أن تطيعوا القوانين فلا تخترقوها ويجب أن نطيعها !

في الختام   تجرّع سمّ (الشّكران) وقال  الجلّاد :  امشِ يا سقراط ..
نهض ومشى الهوينا لخطواتٍ ؛ حتى انتهى السمّ لبقية أجزاء جسده وسقط ومات - عام ٣٩٩ قبل الميلاد -بعد أن تجرّع (السمّ العبقري)  كما يراه الشاعر جاسم الصحيّح !

هكذا عنون واستلهم  جاسم الصحيح قصيدته السقراطية الباذخة ووسمها : بالسمّ العبقري
ولنعتِ ذلك السمّ بالعبقريةِ دلالته العميقة والمفتوحةِ ؛ إذ أن المتأمل في ذلك  النعت ومشهد الختام لموت سقراط  ؛ يستنتج بأن الشاعر نعت السمّ بالعبقرية كناية عن رفض سقراط الهروب مع كريتو وقبوله تجرع سم (الشوكران ) ولا يقبل سقراط إلا ما كان فيه حكمة وفائدة وقد يصل (للعبقرية) المجازيّة كما رآها جاسم حتى لو وصل الأمر على  حساب موته .
يقول الشاعر :
سقراط فجر الوعي..فاهتُف باسمهِ
واقرأ حكاية عبقريّةِ سمّهِ
يستفتحُ الشاعر قصيدته _السّقراطية_ ب سقراط ويؤكّدُ على أن ذلك الفيلسوف اليوناني العظيم فجر للوعي الإنساني ؛ إذ على يديه بدأ الوعي والتفكير في ذاتِ الإنسان ومعايير الأخلاق ويصف الكاتب الروماني شيشرون دور سقراط بقوله : ( لقد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض)  أي أنه انتقل  من التفكير  في الطبيعة والكون الذي كان سائداً إلى التفكير في ذات الإنسان وعلاقته بالأشياء  والمعايير الأخلاقية . ويدعونا للهتاف باسمه ولقراءة حكايةِ عبقريّتهِ ، ولاتزال البشرية تهتف باسمه وتقرأ حكاية عبقريَتهِ .

وإذا الحكايةُ توجّتك بنشوةٍ ..
فاشكُر مع العنقودِ عاصرَ كرْمهِ ..
السمّ علّمك (الطريقةَ) ، فانطلِق ..
في السّالكين على طريقةِ عِلمهِ ..


إذا حكاية ذلك الفيلسوف العظيم سقراط وفلسفته أدهشتك وتوجتك بنشوة معرفةِ : الخير والحقّ و الجمال والأخلاق وأطرقت أبواب الأسئلة المفتوحة ؛ فاسلك طريق ونهج ذلك العقل الفلسفي الحرّ المتسائل فهو الطريق الذي مهّد للبشرية الاكتشاف والمعرفة .

السمّ ليس سوى كتابِ تمرّدٍ ..
والفلسفاتُ تخرّجت من كُمّهِ ..
السمّ شيخُ المرشدين إلى الهدى ..
ما انفكّ يفشل في هدايةِ قومهِ ..

سُقراط لم يكن سوى شخصٍ متمرّدٍ في نظرِ أهلِ أثينا ؛ ولكن تمرّده (الجميل) له أثر عظيم في التاريخ الفلسفي و الفكري للبشريّة الذي أصلهُ قد خرج من تلك الأحاديثِ والاستفهامات التي كان يزرعها في عقول التلاميذ ويرميها في طرقات أثينا وتارة تكون كأنها  آثار  لخطواته -السقراطية- فيلاحقه التلاميذ   .
 يشيرُ ويلمح الشاعر في قوله : ما انفكّ يفشلُ في هدايةِ قومهِ ..
إلى أنّ كلّ عصرٍ  فيه حكاية تمرّدٍ تشبه حكاية سقراط ؛ فكل  إنسان يأتِ بفكر جديد يجابه بالرفض والشجب ويخفقُ في هداية قومهِ وأن هذا الأمر أزليّ ، والتاريخ لايزال يسجل هذه القصص التي لا تنتهي والتي كان سقراط أحد ضحاياها .

شيخٌ تبتّل للسؤالِ فلمْ يجِدْ
في الأرْضِ أقدسَ من شريعةِ حكمهِ
ما انفكّ يحلمُ بالحقيقةِ آثماً
من فرْطِ ماهو مارقٌ في حلمهِ
لا بدّ من إثمٍ إذن ..فحقيقةُ ال
إنسان تبدأُ من حقيقة إثمهِ ..


يستمرّ الشاعر في عزفهِ الوصفيّ الفريد لحياة سقراط ؛ إذ كان السؤال هو شريعته المقدسة ومنهاجه الذي اتخذهُ لتوليد الأفكار لدى تلاميذه . يشير الشاعر بأنّ ما قد يرتكبه الإنسان من ( فعل جديد ) ؛ كي يبحث  عن الحقيقة قد يكون آثما من وجهة نظر أخيه الإنسان الآخر الذي تعوّد النظر للأمور بنظرة اعتيادية صرفة ، وغالبا يكون ذلك الفعل الجديد )-الإثم- قد تكون هي الحقيقة الجديدة المكتشفة ولا يؤمنُ بها أصحاب الفكر التقليدي و الاعتيادي إلاّ  لاحقاً .


مالدفءُ يسْري في صحيفةِ كاتبٍ ..
إلّا الذّنوب تبخّرت من لحمهِ ..
والفنّ حيث الآدميّة ترتدي ..
ثوباً على قدرِ الجمالِ وحجمهِ ..

هنا يلمح الشاعر بأن الأفكار القوية والصادمة والجديدة التي يضعها أي كاتب جريء متسائل في صحيفته تكون دافئة؛ كأنها نتاج غليانِ التفكيرِ الداخلي الحرّ المنطلق في عقله ، وأن الفنّ إنسانيّ هويته ومهمتهُ الأزلية  بث الجمالِ في هذا الكون الفسيح .



كُن شيخَ ذاتك كي تكون مقدّسًا ..
لا شيخ غيرك يحتويك بختمهِ ..
وابصُم على دنياك بصمة مُخرجٍ ..
حُرّ توزّع في مشاهدِ (فلمهِ) ..


يقول سقراط : (اعرف نفسك ) وهنا شاعرُنا في سقراطيّتهِ يقول : (كن شيخ ذاتك ..) ؛ لكلّ إنسان طبيعته الفريدة وخصائصه وموهبته التي تميزه عن الآخر ويجب أن يستنكهَ و يكتشف الإنسان تلك الموهبة التي أودعها الله عزوجل فيه وأن ينميها حتى تكبر ويكون له من خلالها بصمة مؤثرة في هذه الحياة ، ولا أحد يستطيع أن يساعدك على اكتشافها إذا لم أنت تساعد نفسك فأنت أعلم ما بنفسك وما تحب وما تكره وليس ذلك الشيخ أو المرشد .
حياة الأشخاصِ ما هي إلّا كفيلم سينمائي فالأفلامُ السينمائيّة تتنوع فهناك الفيلم العادي الذي لم يترك بصمة خالدة في السينما العالمية وفي نفوس الناس وآخر وشم في ذاكرة السينما العالمية أجمل رسم خالد لا يمكن أن يمحى من ذاكرتها كذلك هي حياة الأشخاص تتنوع فمنهم من ترك إرثا عظيما كصديقنا : سقراط ومنهم من مضى وقضى نحبه ولانعرف عنه شيئا ولله حكمته في تنوع وتفاضل الأشخاص في الأثر الذي يتركونه في هذه الحياة .


واربأْ بوعيك أن يفيق وصيدهُ..
سمكٌ تطافرَ من بحيرةِ نومهِ ..
لمْ يعرفِ التّاريخ شرّ حراسةٍ ..
من أن يكون المرء حارس وهْمهِ
كُن شيخ ذاتك في الحياة ..
ولاتدعْ سُقراط ثانيةً يموتُ بسمّهِ ..

هُنا ينتقلُ الشّاعرُ للوعي ويؤكدُ بأن النوم ليس إلاّ حالة من حالات الوعي المتغيرة عن حالة الإنسان حال استيقاظه ؛ وكأنه يشيرُ  بأن حالة وعي الإنسانِ العميقة  في منامه أفضل وأوسع خيالا من حالته أثناء استيقاظه ؛ ولذا نفهمُ السّبَبَ الذي جَعَلَ الشاعرَ   يطلب عدم الإفاقة من بحيرة الأحلام  والأفكار والخيالات الخصبة وما النوم إلا إعادة تنشيط للفكر و الدماغ .
  ثمّ يعرّج شاعرنا إلى الوهم الذي يسيطرُ على عقلِ الإنسان ويمنعه من فعل الأشياء العظيمة في هذا الحياة وحقّا ((لم يعرِف التّاريخ شرّ حراسةٍ من أن يكون المرء حارس وهمهِ ))  كما قال في سُقراطيّته .
يؤكدُ الشاعر مرّة أخرى على أن يكون المرء شيخاً لذاته في الحياة وأن يستخلص العبر من حياة سقراط بأن لا يقبل الموت بسهولة كما فعل ذلك الفيلسوف اليوناني العظيم .


وخذِ الكتاب بقوّةٍ وكأنّهُ ..
حربٌ تزجّ العقل خارج سلمهِ ..
فالمبدعون بنو الشكوك إذا هم ُ..
انتسبوا ويعترفُ اليقينُ بعقمهِ ..


يؤكد شاعرنا دعوته مرة أخرى  بأن يأخذ المرء نهج التفكير الفلسفي والعقل الحرّ المتساءل  كما فعل سقراط ، دون تردد حتى وإن كلّف الأمر دخول العقل في حرب الأفكار ؛ لأن ذلك مؤداه إلى الشكّ (النبيل) -كما وصفه لاحقا في قصيدته -فكل ّ مبدعٍ في هذه الحياة منتسبٌ لبني الشكوك فلولا ذلك الانتساب الرائع ، لما خرجت معظم الإنجازات الإنسانية الخالدة العظيمة كما أن اليقين والإجابات  الجاهزة  لم تكن  أبدا رفيقاً لأولئك المبدعين ؛  بل و عقم عن إنجابهم .


مُذ نام حرفٌ في حضانةِ صخرةٍ..
نومَ الرّضيعِ على سواعدِ أمّهِ ..
ما اخضرّ بستانُ الحياةِ بمبدعٍ ..
لم ينبت الشكّ النّبيلُ بعظمهِ ..
فخذُ الكتاب ملغّمًا حدّ الرّدى ..
وجعل حياتكَ أن تموتَ بلغمهِ ..


منذُ بدء عصرِ التاريخ وتحديدا منذ أن  نقش ونامت حروف ورسوم الإنسان على الحجر كالنوم العميق للرضيع بين ذراعي أمهِ ، لم يظهر في التاريخ مبدع لم ينبت الشك النبيل بعظمهِ أي ذلك الشكّ الذي يؤدي إلى اكتشاف الحقائق وإظهارها وخوض الأفكار الجديدة واستلهامها وكل  ما فيه خير ومنفعة للإنسانية .
في نهاية القصيدة ثمّة وجه شبه بينها وبين المشهد الختامي لموتِ سقراط .
قال ذات مرّة  :( لن أرفضَ فلسفتي إلى أن ألفظ النفس الأخير ) ؛ إذ أن سقراط آمن بأفكارهِ حتى الموت ، وهكذا يجب على الإنسان أن يؤمن بمبادئ الفكر حتى وإن كانت على حساب موته .
أبدع جاسم في سُقراطيّتهِ الباذخة الفاخرة المدهشة  وخطّ دستورا ذهبيًّا خالدا للمبدعين   و تستحق أن تعلّق على كعبةِ  الفكر في تاريخ أدبنا العربيّ المعاصر ؛  إذ تحملُ معان ودلائل مفتوحة وتتوالد منها الأسئلة تماما كما كان يولّدُ سقراط الأسئلة لدى تلاميذه وما هذه القراءة التأمليّة العابرة إلا محاولة لفهمِها .



حمد الدريهم
٢٨-٥-١٤٣٥هـ
٢٩-٤-٢٠١٤م 

الاثنين، 24 فبراير 2014

العالم ..نصّ !




تأملتُ كثيرا الحروب و النزاعات المذهبيّة و الطائفيّة العرقية في العالم العربي ؛ وجدت أنّ مُعظم تلك النزاعات والحروب ترجعُ بالأساس إلى مأزقٍ أزليّ هو : التأويل !

كيف ذلك ؟ 

عندما نرجعُ للماضي ونسبر أغواره ونفحص أخباره ونقلّب صفحاته جيدا ، سنجد أنّ معظم تلك المذاهب والطوائف والفرق نشأت أساساً على أيدي علماء ورجال صالحين اجتهدوا في تأويلِ -نصوص دينية - معينة وكان لأولئك العلماء طلاب علمٍ نشروا ذلك الاجتهاد -الذي قد يكون معتبراً بين أفراد منطقة أو إقليم ذلك العالم ومع مرور الزمن تتشكّلُ تلك الطائفة التي أساسها أصلا ذلك العالِمْ ! 

ومعظم تلك الفرق والمذاهب في بداية نشأتها لم تكن في حالةِ صدام وصراع ونزاع فيما بينها ولكن مع مرور الزمن تبدأ الطائفة بالتمسّك والتعصّب لرأيها -وقد يكون ذلك مبرّرًا - فهي إمّا أنّها قد تعرّضت لتهميشٍ وجورٍ من قبل الحاكم في حقبة زمنية معينة أو أنها تعرّضت لاضطهادٍ من طائفةٍ أخرى هي أعلى شأنا وسلطة من تلك الطائفة التي تعرضت للظلم . 

امتدّت تلك الصراعات التاريخية المذهبية والطائفية -التي من أهم جذورها وأساسها : اختلاف في التأويل - بشكل مباشر على العالم العربي في العصر الحديث وبالأخص الفترة الراهنة التي نعيشها الآن . 


مرّت تلك الخلافات والنزاعات المذهبية والطائفية بمرحلة الكمون خلال فترة العروبة ؛ إذ كان معظم العرب تحت ظلال راياتها وشعاراتها البرّاقة . ثمّة أسباب سياسية خارجة عن إرادة العرب كان المتحكّم الرئيس فيها أقطاب العالم في الشرق و الغرب أدّت إلى انفجار تلك الخلافات والنزاعات إلى أن وصل حالها ل :
وكلّ يدّعي وصلًا بليلى
وليلى لا تقرّ لهم بذاكا 
أي أن كل طائفة تدّعي -بتعصّبٍ مقيت- أنها على حق ممازاد لهيب الفتن والاضطراب و الاقتتال   ! 



 تتشكل الطوائف والمذاهب و الفرق المنبثقة عن الأديان السماوية على نحو متشابه، و سأضرب بثلاثة أمثلة على  طوائف مختلفة تماما في العقائد لكنها متشابهة في كيفية التشكّل من الأديان الثلاثة : المسيحية ، اليهودية والإسلام   

في المسيحية مثلا : أنشأ جوزيف سميث (١٨٠٥م-١٨٤٤م)  على يديه طائفة المورومونية   ويؤمنون بكتابِهم المقدّس (المورمون)  الذين كتبه . نظرا لتعرضهم لمضايقات وأحداث عنف قاموا بتأسيس مدينة (نوفو) في ولاية إلينوي وخاضوا عدة حروب أهمها حرب يوتاه بينهم وبين الحكومة الأمريكية في ولاية يوتاه إذ تعرّضوا لعداء في تلك الولاية وتمردوا على حاكم الولاية فنشبت تلك الحرب وانتهت بمصالحةٍ مع حاكم الولاية الجديد بعد أن ضمنوا مصالحهم، وبعد أن كانوا مجموعة صغيرة في ذلك الوقت اليوم أصبح  عددهم قرابة ٧ ملايين حول  العالم   . 


وفي الإسلامِ مثلا : قام عبدالله بن أباض التميمي  بتأسيس مذهبِ الإباضية يعتمدون في الأحاديث على مسندِ  : الربيع بن حبيب ، خاضوا عدة حروب و حكموا أجزاء من الشمال الإفريقي وأسسوا الدولة الرستمية تقريبا في فترة ما بين عام   ٧٧٦م إلى  ٩٠٩م 

والآن ينتشرون في بعض الدول العربية وفي عمان تحديدا وتعتمد المذهب الإباضي كمرجع رئيس للدولة . 



وفي اليهودية مثلا  :قام موسى دي ليون (١٢٥٠م -١٣٠٥م ) عام ١٢٨٠م بتأليف كتاب (الزوهار) أثناء أزمة اليهود في إسبانيا نتج عن ذلك تكوّن طائفة جديدة اسمها :  الكابالا ويعتبرون كتاب الزوهار المرجع الرئيس للطائفة  و يبلغ عددهم قرابة ٢٢ مليونا في العالم . 


وما ذكرت هو على سبيل المثال لا الحصر،  للتشابهِ في طريقة تكوّن الطوائف التابعة للأديان السماوية الثلاثة . وبالنظر للأمور المشتركة الظاهرية المتشابهة للتشكّل كاتباع رجل الدين و تأليف مرجع للطائفة  وغيرها  
، فإننا سنجد بأن ثمّة سبب رئيس للتشكّل الطائفي في تلك الأديان قد لا نراه ألا  وهو : الاختلافُ في التأويل ! 

 يقول الفيلسوف  الألماني فريدريك نيتشه (١٨٤٤م-١٩٠٠م)  :  ( لا توجد حقائق ، بل فقط تأويلات )  وكأنّهُ بهذه المقولة يصف تماما تعدّدِ ادّعاءات البشر لامتلاك الحقيقة  وأن كلّ ما هو حولنا نتاج اختلاف في التأويل !


رأى بعض المفكرين العرب بأنّه لا حلّ لتلك الخلافات إلّا بالقطيعةِ (الأبستمولوجيّة) لا مع ما نتج من اختلاف التأويل  من حروب ونزاعات في الزمن الماضي ؛ بل مع الموروث الديني كلّه وهذا غير مجدٍ في أساسه لا لاستحالة تطبيقه على العقل العربي فحسب وإنما لسبب : 
أن مأزق التأويل أزلي ولا فكاك منه حتى مع تلك النظريات المعرفية البنائية الجديدة البديلة للموروث الديني  (.. ولايزالون مختلفين... ) 



-العالمُ نصّ ومأزِقهُ الأزليّ التأويل ! 

٩-٤-١٤٣٥هـ
١٠-٢-٢٠١٤م