الجمعة، 22 نوفمبر 2013

هوليوود وسرقة التاريخ !

 

 في العقودِ الماضية شغلت قضيّة تشويهِ العرب والمسلمين في أفلام (هوليوود) حيزًا من الاهتمامِ و المناقشة لدى بعض النقادِ والنخب الثقافية التي تهتمّ بثقافةِ الصورة وتأثيرها 
في عقل المتلقّي ؛ ولكنها غفلت عن السرقة (الناعمة) والهادئة التي تقوم بها أفلامُ (هوليوود) من خلالِ ما يلي :
هوليوود

١-إنتاج واحتكار أفلامٍ لقصص تاريخيّة واقعيّة لدولٍ أخرى وخاصة دُول العالم الثالث .
٢-تحسين وجهة النظر الأمريكية وتلميعها إزاء القضايا والأحداث التاريخية وعدم عرض وجهة النظر المُحايدة .
٣-تزوير بعض الأحداثِ التاريخية .
٤-إظهار الدول التي لا تمتلكُ إنتاجا سينمائيا قويًّا وأبطالها التاريخيين بصورة قاصرة و مبتسرة .

تلك السرقة (الناعمة) لها عظيمُ الأثر في تشكيلِ رأي المتلقي حول الأحداث ؛ لأنّ ثقافة الصورة السينمائية السحرية أقوى من صفحات ووثائقِ التاريخ فمثلا : عندما نقول عمر المختار فإن الذهن بصورة تلقائيّة سيذهب مباشرة إلى عمر المختار الذي في الفيلم لا عمر المختار الذي في صفحات كتب ووثائقِ التاريخ وهذهِ الصورة الذهنية ستبقى دائمة ومستمرة إلّا إذا قابلتها صورة مُماثلة في القوة و التأثير أي : إنتاجُ فيلمٍ  آخر يحكي سيرة عمر المختار .



في عامِ ١٨٣٩م قامت ثورة (الأميستاد) عندما قام العبيدُ بتحريرِ أنفسهم أثناء عمليّةِ نقلهم من كوبا إلى أمريكا .يُشير المؤلف الأمريكي (جيرالد ف.ديركس )في كتابه : المسلمون في التاريخِ الأمريكي :إرث منسيّ -والذي ترجمه الدكتور سعد البازعي - إلى وجودِ رجال مسلمين كان لهم دورٌ  مؤثرٌ وبارزٌ في تلك الثورة الناجحة  .

أخطأ (ستيفين سبيلبيرج)  الذي أخرجَ فيلما تحت مسمى (Amisted) أميستاد عام ١٩٩٧م  يحكي تلك الواقعة ؛ لعدمِ تطرقه لدور المسلمين البارز في تلك الحادثة  .ذلك الفيلم حقق نجاحات واسعة ؛ ولكن ذلك الخطأ الذي قام بهِ المخرج سيبقى في ذاكرة المتلقّي ولن يمحى من ذاكرة التاريخ إلا بفيلم آخر يقابله ؛ لأنّه عندما تقول للمتلقي حادثة -أميستاد- فإنّ الذهن سينصرف للقطات فيلم (سبيلبيرج) لا لصفحاتِ كتاب (جيرالد ف.ديركس) .

ثمّة أفلام أخرى تنتجها (هوليوود) ويكون مضمونها عرض القضايا الدولية التاريخية للولاياتِ المتحدة الأمريكية مع دول أخرى وليتها تكتفي بعرض القضية فحسب ؛ولكنها أيضا تعرض تعريفا لتلك الدول ضمنا في تلك الأفلام حسب وجهة نظرِها  وقد لا تتفق معها تلك الدول في ذلك التعريف تماما كما حصل مع فيلمي (Argo) آرجو و (The kingdom) المملكة . فالأول يتحدّثُ عن قضيّةِ اختطافِ الدبلوماسيين الأمريكيين بإيران وكيفية تحريرهم بنجاح ولم يكتفِ الفيلم بعرضِ القضية فقط وإنّما أعطى نبذة تعريفية عن إيران في بداية الفيلم تلك النظرة سترسخ في ذهن المتلقّي لأمد طويل كون الفيلم حقق الأوسكار في فئة أفضل فيلم و قد لا تتفق إيران مع طريقة عرضِ تلك النبذة . 

وكذلك الأمر مع فيلم (the kingdom ) المملكة كانت قضية الفيلم الرئيسيّة كانت تتمحور حول التفجيراتِ في إحدى المجمعات والتي يسكنها أمريكيون فترسلُ الولايات المتحدة فريقاً من FBI لعمل تحقيق في تلك القضية ولم يكتف المخرج بعرض القضية وإنما أيضا عرضَ نبذة تعريفية قاصرة ومُبتسرة عن السعودية في ذلك  الفيلم في وضعٍ مُشابه لما حدثَ مع فيلم آرجو .

تلك السرقة (الناعمة)  لم تقتصرعلى الأحداث التّاريخية فقط وإنّما امتدّت يدها لتنتج أفلام السير الذاتية للأبطال التاريخيين تماما كما حصل مع فيلم (Breaveheart) قلب شجاع الذي يحكي قصة البطل التاريخي لأسكتلندا" ويليام والاس"، أصبح الاسكتلندي الذي يفتخر بويليام والاس إذا أراد أن يُعرّف به لأي شخصٍ آخر فإنه سيقول له :شاهد فيلم قلب شجاع وذلك الشخص سيُشاهدُ فيلما اسكتلنديا شكليا ؛ ولكنه أمريكي إنتاجا وتمثيلا و كتابة وهذا يعني أن أمريكا احتكرت بصورة غير مباشرة سيرة ذلك البطل الأسكتلندي وربطته بها تاريخيا  عن طريق ذلك الفيلم ..!

استغل أيضاً منتجو (هوليوود) أحداثا تاريخيّة وقعت في دول العالم الثالث وعملوا منها أفلاما حققت نجاحاتٍ باهرة تماما كما حصل مع فيلم فندق رواندا (Hotel Rwanda) الذي يحكي قصة الحقبة الزّمنية للحرب الأهلية بين قبيلتي (التوتشي ) و (الهوتو) وتمّ إنتاجه أمريكيا خالصا ؛ بالرغم من أن الأحداث لا تمت بأي صلة لأمريكا .
لم تسلم بعض الأحداث التاريخيّة الهامّةِ في الدول العظمى كألمانيا من تلك السرقة ؛ إذ تمّ إنتاج عام ٢٠٠٨م فيلم (فالكيري) والذي يحكي قصة واقعية لمحاولة اغتيال هتلر كان أيضا أمريكيا كتابة وإخراجا وإنتاجا ولغةً ..! 

أظنّ أنّ معظم دول العالم تعرّضت ولاتزال تتعرّض لتلك السّرقة (النّاعمة) ؛  باستثناء الهند إذ مُعظم أفلامها التاريخية إما أن تكون إنتاجا مشتركا تماما كما حصل في فيلم (غاندي) إذ تم إنتاجه بشراكةٍ هندية-بريطانيّة وتم عرضه باللغتين الإنجليزية و الهندية أو أن يكون إنتاجا هنديا محضا (بوليووديا ) ..! 
إنّ ضرورة إيجاد صناعة سينمائية حقيقيّة باتت ضرورة ليس للترفيه وإنما أيضًا ؛ لقطع تلك اليدِ السّارقة لثقافةِ الصورة السينمائيّة (التاريخيّة) للدول إنتاجاً ولغة وهُويّة ؛ ولأجلِ كسر الاحتكارِ الأمريكي لأرشفة الفنّ السابع لأحداثِ التاريخ في العالم وحتّى نصوغ أحداثنا التاريخية بصياغتنا نحن " لا بيد عمرو"!تلك الأمثلة من الأفلام استعرضتها ؛ كي أبيّن أنواع تلك السرقة (الناعمة) حتى وإن كانت غير متعمدة من منتجي هوليوود فإني هنا أصفها ، وقد لا ندرك أثرها إلّا على المدى البعيد

 وأخشى ذلك اليوم الذي يُقال فيه :
حدثنا عن ذلك الحدث التاريخي (الفلاني) في بلدك ؟ -فيكون جوابنا شاهِد الفيلم الأمريكي (الفلاني)

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الرحلة الأخيرة للبحث عن أحمد مـطر !

ذات مساء حينما كنت أقلّبُ "بالريموت كنترول" متنقلا بين قنوات الفضاء العربي فإذا بإعلان  جذاب  استرعت موسيقاهُ انتباهي ، وخطف بصري يقول أحدهم فيه : 

أحمد مطر 

جسّ الطبيب خافقي ..

وقال لي :

هلْ هُنا الألم ؟

قلت له : نعم 

فشقّ بالمشرطِ جيب مِعطفي ..

وأخرجَ القلمْ ..

هزّ الطّبيبُ رأسهُ مال وابتسم ..

وقال لي :

ليس سوى قلم !

فقلت : لا يا سيّدي 

هذا يدٌ ..وفم ..

رصاصةٌ ودمْ ..

وتهمة ساخرة تمشي بلا قدَم !


تلك الكلمات ذات الإيقاع السريع في الإعلان الذي لا تتجاوز مدته ثلاثين ثانية كانت لشدّة تأثيرها عليّ كأنها خرجت من التلفاز لتكون على هيئة رجل عربيّ ملثّم ومن ثمّ مضى واختفى فجأة من أمامي !. 


تساءلتُ من ذلك الرجل المجهول الذي كتب تلك الكلمات ؟  سجلت تلك الكلمات على وُريقة حتى (أقوقلها) لاحقا كعادتي مع أي شيء أرغب معرفتهُ سريعًا . 

وبدأتُ رحلت البحث - افتراضيا- بدءاً من كتابة مقتطف من تلك الكلمات فإذا بسيلِ النتائج في محرّك البحث تتفقُ على أن اسمه : أحمد مطر ..! 

ويزداد الشغفُ لديّ ويكبر استفهام في الأفق من هو أحمد مطر ؟ 


ربما لم يدر في خلد  ذلك الابن الرابعِ الجميل (يوسف )- كما يُطلق عليه إخوته لجماله البهيّ- الذي قال في صباه صادحا بالحبّ والجمال :

مرقت كالسّهمِ لا تلْوي خُطاها

ليت شعري مالذي اليوم دهاها

 أن مصيره سيكون مهاجراً وعازفا تراجيديّا وساخرا  على الأوتار السوداء للآلام العربية في العصرِ الحديث  ذلك العزف الذي ترنمت به الشعوب العربية  . وعلى النقيض تماما اعتبرته السلطات في العالم العربي ضجيجًا سمعيا بل وخانقاً مما أدّى إلى سكونه شيئا فشيئا حتى اختفى ذلك العزف؟! 


في السبعينات الميلادية انتقل من العراق إلى الكويت ليعمل محرّرًا ثقافيّا في صحيفةِ القبس وكتب لافتاتهِ ولوّح بها في السماءِ عاليًا    ورآها الجميع وعرف الناس أن حامل لواءها اسمه : أحمد مطر .

كان توءم روحهِ ناجي العليّ يترجم ما كتبه أحمد على هيئةِ رسومات ساخرة وناقدة لاذعة للحكومات والسلطات العربية في ذات الصحيفة ، وأصبحت كلمات أحمد ورسومات ناجي كأنها عملة ذهبيّة واحدة لايصُحّ بها وجه دون آخر تُطالب بشيء اسمه : الحريّة !

هاجرا سويّا إلى لندن بعد المضايقات والملاحقات وهناك كانت الفاجعة الكبرى التي زرعت أشواك البؤس والحزن  في فؤاد أحمد مطر ،  في ٢٩ أغسطس من عام ١٩٨٧م  رصاصةُ مسدس كاتم للصوت -مجهولة المصدر-  استقرّت في رأسِ ناجي العلي لِيُطمس الوجهُ الآخر من العملة الذهبيّةِ ..

رثاهُ أحمد مطر بقصيدة مخضبةٍ بالدموع كتبها على بحر (الألم) القاسي العميق عبّر عن ذلك الفقد الأمرّ بقصيدةٍ همزية  طويلة  أكثر من خمسين بيتا عنونها بِ ( ما أصعب الكلام )  فجّر فيها كل ينابيع الحزن في ذاته..  جاء مطلعها ألم عميق مغلّف بشكرٍ  للخطباء والشّعراء ولكل من ضاع وقته في التدبيج والإطراء  : 


شكرا على التّأبينِ والإطراء ..

يا معْشرَ الخطباءِ و الشّعراءِ ..

شكراً على ما ضاع من أوقاتكم .. 

في غمرةِ التّدبيجِ والإطراء ..

ويقول في موضع آخر : 

"ناجيّ العليّ" لقد نجوت بقدرةٍ ..

من عارنا ، وعلوتَ للعلياءِ ..

اِصعدْ ،فموطِنُك السماء ، وخلّنا ..

في الأرضِ إنّ الأرض للجبناءِ ..


وهنا يرى بأن صاحبه قد نجا إلى السماء ، وكأن الشكر في مطلع القصيدة موجه أيضا لربّ السماء على نجاة صاحبهِ من أرضِ الجبناء ..!! 

ويقول في موضعٍ آخر : 

ماذا يضيرك أنْ تفارق أمّة ..

ليست سوى خطأ من الأخطاء ..

رملٌ تداخل بعضهُ في بعضهِ ..

حتى غدا كالصّخرةِ الصمّاءِ ..

لا الريحُ ترفعها إلى الأعلى ..

ولا النيران تمنعها من الإغفاءِ .. 

 

إذْ لا ضير يا ناجي العلي في مفارقة أمة هي خطأ من الأخطاء لا  ريح (الأحداث ) ترفعها إلى أعلى ولا نيران           ( المصائب ) تمنعها من الإغفاء ، وهل يضيرُ الإنسان  أصلا مُفارقة صخر أصمّ لا يجدي ولا ينفع ؟! 


والقصيدة طويلة تستحقّ الوقوف أمامها لما تحمله من إشارات ودلالات نارية وقوية تضيء الليل الحالك  ، والمقام هنا لا يتسع لي بأن أقف على تلك الهمزية الصادقة التي خرجت منه رغم أشواك الحزن في فؤاده .. ! 

سنحت لي الفرصة العظيمة في اقتناء أعمالهِ الكاملة من دار الالتزام اللبنانية  في معرض الرياض الدولي للكتاب وفرحتُ بها علني أجد جوابا ؛ لسرّ اختفائه .

مكثت ليلة لن أنساها طيلة حياتي في قراءتها ، فور انتهائي منها  احترتُ في مشاعري هل أضحك أم أبكي أم ماذا ؟ 

هل أضحك على السخرية اللاذعةِ التي عزف بها ، أم أبكي على تلك الآلام التي أصابته ؟ 

أم على الحريّة في العالمِ العربيّ ؟  


غيابٌ واختفاءٌ غامِض  وتولد في مخيلتي علامة استفهامٍ أخرى : لماذا لا يظهر في وسائل الإعلام ولماذا يتجاهلُ الإعلام يا تُرى من الذي أهمل الآخر ؟ 

عزوف عن الإعلام العربيّ امتدّ لسنواتٍ طوال لم يجرِ أي مقابلةٍ سوى ثلاث مقابلات صحفية : مقابلة مع موقع الساخر  ، ومقابلة مع صحيفة العالم ،  ومقابلة صحفية مع الأستاذ  / أحمد المسعودي نُشرت في مجلّة الحدث في يوليو عام ٩٨ م ،  وله حديث آخر مقتضب لا يمكن اعتباره مقابلة كاملة أخذ من فيلم اسمه :( فنان صاحب رؤية ) وعرض ذلك الحديث ضمن الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي الذي أنتجته الجزيرة بعنوان / من قتل ناجي العلي ؟!

يقول أحمد مطر  : "..الأوزان والقوافي هي لعبتي منذ الصّبا لقد درت حول دوائر الخليل حتى دار رأسي وعكفت وأنا في المتوسطة ، على إعطاء دروس في العروضِ لطلّاب الجامعة ، إن هوسي بالأوزان جعلني أبتكر بحراً شعريّا جديداً ، وهو البحر الذي كتبتُ بهِ قصيدة : ميلادِ الموت عام ١٩٨٠م ...الخ " 

لكن المتأمل في لافتاتهِ غلب عليها النثرية ربما ؛ لأنّ الإحساس العميق بالألم والقمع لا تكفيه أوزان الخليل مما أدى إلى خروجه (المتمرّد) و(الجميل) عن الإطار الموسيقي المعتاد ، ويكفي إشادة الجواهري بها فنا ومضمونا وهو - العمودي الصارم -! 

في شعره تجد : الوردة سيفا حارقا ،و الدمع حجراً جامداً ، وقطرات الماء جمرات لاهبة ،وأغلب الأشياء السّاخرةِ في هذه الحياة قرنها بصورة مُباشرة أو غيرِ مُباشرة بالحاكم العربيّ وكما أنه يُظهرالأشياء بعكسها في سخريةٍ  لاذعة ، ويبتكر في توظيف الألفاظ بجعلها في صور تُدهش القارئ  ، ويسدل الستار في ختام لافتاته على طريقته (المطريّة ) المبدعة بختام رائع يطبع في ذاكرة القارئ  ما لم  يتوقعه من قبل . ولعناوينه دهشتها المبتكرة التي تشد الانتباه فقال ب :( شيخوخة البكاء ) و (الطبّ يضرّ بصحّتِك ) و (طلبُ انتماء للعصر الحجريّ) و (مأساةِ أعواد الثقاب ) و ( نعم أنا إرهابي ) ! .

عرفتُ لاحقًا سبب اختفائهِ عن وسائل الإعلام عندما قال بأن : (غيابي عن المشهد الثقافي والإعلاميّ فلا يحتملُ غير تفسيرٍ واحدْ هو أنّني لا أؤمن بهذا المشهد ) ويرى بأن وسائل الإعلام : إعدام ..! .

ولكن ثمة استفهامٌ آخر يولد،  تلك الرؤى كانت قبل قرابة عشر سنوات التي قال بها فالمشهدُ تغيّر في العالم العربيّ وأضحت حرية التعبير متاحة عبر الوسائط المختلفة ك : تويتر و فيسبوك و يوتيوب ..الخ . وأضحى المواطن العربي فيه شيء من سخرية أحمد مطر ونقدهِ اللّاذع وسقطت عروش الاستبداد في بعض الدول ..هل تلك اللافتات آتت أُكلها ؟ و هل حان وقتُ خفضها بعدما أن كانت تطاول عنان السماء ؟ وأسئلةأخرى  كثيرة لا يمكن أن يجيب عليها سوى شخص واحد هو : أحمد مطر . 

وبدأتُ جادّا رحلتي الأخيرة للبحث عنه بعد رحلة بحث  أولى -افتراضية - ، ليجيب على تلك الاستفهامات المعلقة في سماء عقلي استقصيتُ بالسؤال عن مقرّ إقامتهِ  ؛ فتواصلتُ مع الصحافي المصريّ حمدي قنديل -الذي قال بصوته أبيات أحمد مطر في ذلك الإعلان الجاذِب وكان سببا في معرفتي بأحمد مطر - 

قلت له : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضلا أُريد أن أسألك حول أمرٍ ما ؟ 

حمدي : تفضّل 

- لو سمحت هل تعرف مقرّ إقامة أحمد مطر ؟ 

- فتّشتُ عنهُ في لندن فلم أعثر عليه ! .

لكني لم أيأس سألت عددًا من المثقفين السؤال نفسه فكانت إجاباتهم:

لا أعلم ، اذهب إلى السفارة العراقية حتى تجد مُبتغاك ؛  لم أذهب للسفارة العراقية لعلمي المسبق بأنه حصل على الجنسية البريطانية  ولموقفه من السلطات العراقية ،  وأحدهم يردّ ساخرًا : إذا قابلته سلم لي عليه   ، خاب أملي بعد تلك الإجابات ..

كل ما أعرفه أنّهُ يقطن في لندن ولكن في أي ضاحيةٍ من ضواحيها ؟ وكلي أملٌ  أن أعيده إلى المشهد الثقافي العربي  وتسجيل سيرته الأدبية للأجيال اللاحقة . عرفت بعد أشهر أنه يسكن في ضاحيةِ ويمبلي أقصى غربِ لندن يصارع المرض والغُربة مع أفرادِ عائلتهِ : علي دكتوراه في المونتاج السينمائي ، حسن ماجستير في السينما  ، زكي لايزال طالبًا ، وفاطمة طالبة في إحدى الجامعات البريطانيّة .

في ضحى يوم الخميس ١-١٠-١٤٣٤هـ أول أيام عيد الفطر المبارك الموافق ل ٨-أغسطس-٢٠١٣م أخذت القطار وحيدا دون أصحابي -على غير العادة - من برايتون جنوب انجلترا إلى أقصى غرب لندن (ويمبلي) لمقابلة أحمد مطر ، ذهبت متأنقا بملابس العيد آملا بأن يكون عيدي عيدين و أن أجد الوجه الآخر للعملة الذهبية النادرة بعد أن طمس إحدى أوجهها في زمن ماضٍ كان رسمها / ناجي العليّ ! 

وصلت بحمد الله إلى ويمبلي ولأول مرة أزورها في حياتي أمشي وحيدا في ضاحية مليئة بالإثنيّاتِ العرقية كالهنود والعرب و الفرسِ وغيرهم . أمضيت ساعات طوال أسأل العرب والعراقيين المقيمين هناك على وجه الخصوص -ومنهم من له أكثر من عشر سنواتٍ مقيما في تلك الضاحية - عن أحمد مطر كانت إجاباتهم / لانعرفهُ لأول مرة نسمع عنه ، لا ندري ، اترك لنا رقم هاتفك وسنتصل بك إذا علمنا عنه أي معلومة ، قال لي أحدهم : اِذهب إلى المسجد الكبير حيث العرب يصلون هناك والعراقيين على وجهِ أخص ، ذهبت لذلك المسجد ولكني لم أجد أي أثرٍ لعراقي لم أجد مُبتغاي يأستُ ورجعت بخفّي حنين ..

وبعد أيام من وصولي لبرايتون اتصلت على ذلك العراقي الذي قال : اُترك لنا رقم هاتفك .. سألته عن أحمد مطر فكانت إجابته : سألت عنه ولم أحصل على معلومةٍ واحدة ..!

خاب أملي ؛ لأنّي  لم  أعثر على ذلك الرجل الملثم بلثام الآلام والأحلام ..! 

ويبدو أن السبب الرئيس في عدم عثوري عليه هو أن العملة لا يكون لها قيمتها إلا بوجهين ؟!!



* كلما حاولت الكتابة عن أحمد مطر، قفز الورق وتشكل كخارطة العالم العربي و...احترق !!