السبت، 19 يوليو 2014

ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية : بين الواقع والمأمول .



  
قبل أن أُعطي وصفا بانوراميا على واقع ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية والعوائق التي تواجهها والحلول التي نحتاجها . لا بد أن نلقي نظرة سريعة على أبرز المراحل التي مرت بها المملكة وتأثر بها قطاع ريادة الأعمال سواء بطريقة مباشرة عن طريق : بعض الشركات التي أُسست في ذلك الوقت

أو بطريقة غير مباشرة  من خلال : استلهام بعض الشباب لقصص الرجال العصاميين في تلك المراحل وهي:



1- قبل اكتشاف النفط : كانت هناك الرحلات التجارية لبعض البلدان  ومن أبرزها : رحلات  أسر العقيلات  حيث كانت ترحل تلك الأسر إلى بعض البلدان كالهند ، العراق ، سوريا في ذلك الوقت من أجل التجارة وأسهمت تلك الرحلات  التجارية في صناعة أسماء ريادية في التجارة على مستوى المملكة والعالم العربي ولاتزال تلك الأسماء تمارس الدور الريادي الاقتصادي في المملكة.



2- عهد الطفرة الاقتصادية في عهد الملك خالد  بن عبدالعزيز:

في تلك الفترة دعمت الحكومة المشاريع الفردية، مما أسهم في زيادة أعداد التجار الأفراد نظرا للدعم الحكومي ، كما اتسمت هذه المرحلة بالتوسع في العمران ومجالات الإسكان من خلال إنشاء صندوق التنمية العقاري.





3- الفترة الحالية التي نعيشها الآن:


وهي التي شهدت نموا ملحوظا وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة وذلك بسبب التطور النوعي الملحوظ في القطاع ودعمه من الحكومة حيث أنشئت الجامعات في كافة مناطق المملكة وهي بدورها تضم العديد من كليات إدارات الأعمال ، وأنشئت بعض المؤسسات الداعمة للرواد في المشاريع الصغيرة و المتوسطة مثل : معهد ريادة الوطني و برنامج واعد التابع لشركة أرامكو ، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الداعمة في مجالي الابتكار والمخترعين مثل : مؤسسة موهبة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض ، إلى جانب ابتعاث العديد من الطلبة السعوديين لدراسة إدارة الأعمال في مختلف دول العالم، وغير ذلك من الأمور التي أسهمت في ذلك النمو.



بالرغم من ذلك التطور في نوعية ريادة الأعمال في المملكة ؛ إلا أنه يواجه العديد من العوائق التي قد تمنع من اللّحاق بركب الريادة كما هي في العالم الأول وقد تمنع شباب المملكة  من الريادة والمنافسة العالمية  ومن أبرزها:


 1- عدم وجود مناهج تعليمية تُعنى بالريادةِ في مدارس التعليم العام:



إنّ عدم وجود مناهج تعليمية في مدارس التعليم العام تُعنى بالريادة بشكل عام كالريادة الاجتماعية والريادة الفكرية وغيرها ؛ لها أثر كبير في تعثّرِ بعض الشباب في مشاريعهم الريادية فالريادة منهجية وخطط ولايكفي أن يتعلمها الشاب عندما يبلغ العشرين أو الثلاثين من عمره ؛ بل يجب أن يتعلمها في الصغر كي يواجه التحديات المستقبلية في حياته.







2-عدم انتشار ثقافةِ العصاميّة:




إن المتأمل في مجتمعنا السعودي يجد عدم انتشار ثقافة العصامية ؛ إذ معظم الشباب يحبّ أن يعمل في وظيفة حكومية تؤمّنُ له مستقبله وقوت يومه ويخاف معظمهم من خوض غمار العمل الفرديّ الحرّ وريادة الأعمال تتطلبُ العصامية والبدء من الصفر في المشاريع الجديدة المبتكرة . إن معظم المشاريع الريادية الابتكارية العالمية ابتدأت وانطلقت تحت إطار مفهوم العصامية الذي يخشاه بعض الشباب من رواد الأعمال.





3- اتجاه الريادة في اتجاهٍ واحد:







مع بروز شبكات التواصل الاجتماعي / تويتر ، فيسبوك ، يوتيوب ..إلخ وظهور تطبيقات الأجهزة المحمولة الذكية .اتّجه قطاع ريادة الأعمال بقوة في اتجاه واحد ألا وهو القطاع الرقمي وهذا الأمر له أثره ، إذ أن معظم اللقاءات والندوات أصبحت حول الريادة في القطاع الرقمي وأغفلت بقية القطاعات كالريادة في المجال :الابتكاري و العلمي و المؤسسات التجارية الصغيرة للأفراد.





4- مركزيّة المؤسسات الريادية بالمملكة:





معظم المؤسسات المعنيّة بريادة الأعمال بالمملكة تكاد تكون محصورة في مدن ثلاث : الرياض ، جدة ، الدمام.

إن عدم توزيع المؤسسات المعنيّة بقطاع ريادة الأعمال لتشمل بقية مناطق المملكة له أثر على الشباب الذين يعيشون خارج المدن الثلاث الذين يرغبون في الحصول على التثقيف والتمويل لمشاريعهم التجارية الريادية الصغيرة ؛ وعلى الرغم من افتتاح عدد من كليات إدارات الأعمال في الجامعات الناشئة الجديدة خارج المدن الثلاث إلا أن خبرتها وإمكانياتها ليست بذات الجودة التي تتميز بها كليات إدارات الأعمال  في الجامعات الثلاث : الملك سعود بالرياض وفي جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران القريبة من الدمام.







5- بيروقراطية العمل الحكومي اتجاه الرياديين: 



يواجه رواد الأعمال بيروقراطية الأداء العمل الحكومي وعدم مرونته في التعامل معهم أحيانا يحتاج رائد الأعمال أولا الحصول  على موافقة جهات معينة أخرى للحصول على تمويل مشروعه وهذه البيروقراطية المقيتة أثرت على تعطيل الكثير من المشروعات الصغيرة لدى الشباب.







6- عدم القدرة على عولمةِ المشاريع الرياديّة:



معظم المشاريع الريادية بالمملكة لا تستطيع أن توسّع من انتشارها وتكون مشاريع رائدة عالمية تخدم العالم بأكمله كالمشاريع الريادية في العالم الأول . من الضروري عولمة المشاريع الريادية للإسهام في انتقال الدولة من الاقتصاد الريعي المُعتمدِ  على النفط والذي سينضب يوما ما ، إلى الاقتصاد المعرفي الذي تسعى الدولة للوصول إليه.





7- الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط:



إن الاضطرابات السياسية المستمرة في الشرق الأوسط لها تأثير غير مباشر في عدم جذب بعض المؤسسات الخارجية التمويلية للمشاريع التي تدعم الشباب في مشاريعهم الصغيرة ؛ بسبب أن بعضا من تلك المؤسسات لاتضمن الاستقرار الدائم للشرق الأوسط والبيئة الآمنة للأعمال ، وهذا يؤثر على قطاع ريادة الأعمال وقد يقلل من فرص عولمة المشاريع الريادية وانتقالها للخارج.



تلكم بعض العوائق التي تواجه روّاد الأعمال في المملكة وأقترح بعض الحلول التي قد تسهم في إزالتها:

1- نشر وتكثيف برامج التوعية بأهمية ريادة الأعمال وإيضاح الدور الفاعل الذي يؤديه هذا القطاع في الانتقال والتحول للمجتمع المعرفي.

2- توزيع وزيادة حاضنات الأعمال وتطويرها لتشمل كافة مناطق المملكة.

3- السعي الدؤوب لتوعية الشباب بضرورةِ عولمةِ مشاريعهم الريادية.   





4- استقطاب بعض المؤسسات العالمية التمويلية للمشاريع وتسهيل إجراءات عملها داخل المملكة.





5- العمل على تطوير كليات إدارات الأعمال بالجامعات الناشئة في مناطق المملكة وأن توسع من دورها لتكون عونا للشباب من خلال تقديم الاستشارت لهم.





6- العمل على نمذجةِ بعض المشاريع التطويرية الناجحة في الاقتصاديات المعرفية الناشئة : كماليزيا وكوريا  الخاصة بريادة الأعمال.





7- إجراء المسابقات والمنافسات التلفيزيونية الجماهيرية المعنية بريادة الأعمال كي تسهم في رفع الوعي الجماهيري بأهمية ريادة الأعمال.





8-العمل على أن يكون الأداء الحكومي البيروقراطي أكثر مرونة في تقبل الأفكار الجديدة للشباب.  





9- إدراج منهج يُعنى بريادة الأعمال في مدارس التعليم العام حتى يعي الصغار أهمية ذلك القطاع الهام في ارتفاع الدخل للفرد بشكل خاص وارتفاع دخل الدولة بشكل عام.











تلك بعض الحلول التي نحتاج إلى تفعيلها في أرض الواقع كي نجتاز تلك العوائق في قطاع ريادة الأعمال و لكي تسهم في انتقال المملكة من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المعرفي المستدام .

النّغـمُ الاستثـنائيّ !



بعد صلاة الفجر أخذت جهاز التحكّمِ ؛  كي أفتح شاشة التلفاز فإذا بعينيّ تُبصرُ صورة مباشرة :

عدّة مبان بعضها محاط بأشجار خضراء ومآذن ودخان يتصاعد إلى السماء !

ومن الصورة ذاتها أذني تسمع نغما معادلته :

أصوات طائرات حربيّة + صافراتُ إنذار + صياح الديكة + زقزقات عصافير+ أصوات انفجار   = نغم استثنائيّ !


عجبت من ذلك النغم (الاستثنائي) الذي لا يمكن  أن نراه إلاّ في (غزّة) كما كُتب على الصورة : (مباشر من غزّة)  ..


وتعجبت أكثر عندما تذكرت بأن الصورة المباشرة من غزة هي ذاتها التي حدثت في عام ٢٠٠٨م  .

وأصابني الألم بأن صور ردّاتِ أفعالنا هي ذاتها أيضا التي حدثت في عام ٢٠٠٨م
فهي لا تتغير اتجاه القضية ..

أدعو الله من كلّ قلبي بأن يُرفع الحصار عن أهلنا في غزّة وأن ينصرهم على العدو الصهيوني وأن تتغير معادلة النغم الاستثنائية إلى :



زقزقات عصافير +أصوات الآذان + صياح الديكة =نغمة أمن وأمان في غزة !

الاثنين، 7 يوليو 2014

مالِكـ

مالك بن جلول (1977-2014)





كنتُ في بحثٍ ((قوقلي)) هذا الصباح الرمضاني عن الفيلم (الأوسكاريّ)  الاستثنائيّ و الوثائقي / (البحثُ عن رجلِ السكّر )  آملا في العثورِ
 على رابط مشاهدةٍ مع ترجمةٍ عربية ؛ كي أرسلهُ إلى أصدقائي عبر الفيسبوك و تويتر كعادتي مع الأفلام التي أحبّها ؛ ولكن في غمرة ذلك
البحث تفاجأت بسيل من روابط الأخبار التي تقول / وفاة المخرج السويدي ذو الأصول الجزائرية /مالك بن جلول (١٩٧٧م-٢٠١٤م) في
شقته وسط ظروفٍ غامضة آلمني الخبر و لم أصدقه إلا بعد أن تأكدت منه في عدة مواقع موثوقة .


مات ذلك الشاب بعد أن قدّم أحلى وأجمل الأفلام الوثائقية التي رأيتها في حياتي ،لا زلت أذكر -قبل عام تقريبا-  تلك (الظهرية) الماتعة التي شاهدت فيها الفيلم ولازلت أذكر أيضا تلك  الدهشة التي انتابتني  مصحوبة بتذكر تلقائي لكلمات محمود درويش : 


تُنسى، كأنك لم تكن,

تُنسى، كأنك لم تكن

تُنسى كمصرع طائر

ككنيسة مهجورة تُنسى،

كحب عابر

وكوردة في الليل... تُنسى

****

أنا للطريق... هناك من سبقت خُطاه خُطاي

من أملى رؤاه على رؤاي. هناك من

نثر الكلام على سجيّته ليدخل في الحكاية

أو يضيء لمن سيأتي بعده

أثراً غنائياً... وحدسا

***

تُنسى، كأنك لم تكن

شخصاً، ولا نصاً... وتُنسى

***

أمشي على هدي البصيرة، ربما

أعطي الحكاية سيرة شخصية. فالمفردات

تسوسني وأسوسها. أنا شكلها

وهي التجلّي الحر. لكن قيل ما سأقول.

يسبقني غدٌ ماضٍ. أنا مَلِك الصدى.

لا عرش لي إلا الهوامش. والطريق

هو الطريقة. ربما نسيَ الأوائل وصف

شيء ما، أُحرّك فيه ذاكرة وحسّا

***

تُنسى، كأنك لم تكن

خبراً، ولا أثراً... وتُنسى




تذكرت تلك الكلمات لأنها تنطبق على بطل الفيلم : سيكستو رودريجيز . وهاهي الأيام تدور وأحسب أنها تنطبق وتتواءم مع المصير الذي آلَ
إليه مالك . سيبقى فيلم مالك بن جلول الوثائقي المدهش / البحث عن الرجل السكر شمعة مضيئة خالدة لن تنطفئ وكم آلمني الخبر لأن الطريق أمام مالك لايزال طويلا لإضاءة شموع أخرى نستنير بها ؛ لكن قدر الرحمن اختاره ليكتفي بشمعة واحدة رائحتها التفاني والإخلاص وليكون ضمن المبدعين الشباب الذين رحلوا عن دنيانا في سنّ النضج و الفتوة مثل / جون كتس و بروس لي وغيرهم .






-من قيمِ الحياة العُظمى : إضاءة شمعة خالدة رائحتها الإخلاص ! 



٧-٧-٢٠١٤م

الأحد، 8 يونيو 2014

احتراق نظرية !



- مفكر عربي ((كبير))  بنظارته  الكبيرة يشرّح و يمعن النظر في الكتب والصفحات  يقرأ 

الواقع ليكتب نظريته : (أ) .


-شاب ((صغينون)) في أمريكا يبتكر شيئا جميلا ويغير في العالم ويحرقُ نظرية  (أ) ؛ 

لتصبح شيئا قديما عفى عليه الزمن  ! 


-يعود المفكر  العربي ليقول بنظريته الجديدة  (ب) بعد اكتشاف ذلك الشاب ((الصغينون)) !


- من الذي ابتكر نظرية ذلك المفكر العربي ؟! 


-العالم : ابتكار فعّال !





الأحد، 1 يونيو 2014

ولادة شاعر عربي





الشّعرُ كائن جماليّ علاقته وثيقة بالإنسان العربيّ؛ إذ تتناغمُ إيقاعات ذلك الكائن مع نبضات فؤاد ذلك العربي.
وإذا أمعنا النظر في الذاكرة القديمة لتلك العلاقة سنجد أنها ملأى بمشاهد تجسّد شدّة الوثاقِ بينهما سنرى ذلك العربي السجين الذي قال أبياتاً فعفا عنه الوالي، أو ذلك العالمُ الذي ينظم شرحه في أبيات مموسقة ليحفظها التلاميذ أو أبيات بسيطة تشعل حرباً لسنين طويلة، أو عدد الشعراء الذين ظهروا في العصور الماضية ورسموا أجمل لوحات الحب ولونوها بحكمهم الخالدة ولا تمل أعيننا من رؤيتها وكأنها صور متحركة كل يوم تتغير بصورة أجمل عن سابقتها لجمالها الأخاذ ولحكمتها البليغة.. وغيرها من المشاهد الكثيرة؛ لكن الذاكرة العتيقة لذلك الكائن الجمالي الأخاذ لم تسعفهُ في مقابل أجناس أدبية أخرى كالرواية، انحسر حتى غصّت مئات المقالات بكلمتين «وهميتين»: موت الشعر! 

المتأمل في ذلك الانحسار الخانق للشعر سيجد أن أهم أسبابه هو: غياب الشاعر الحقيقي المستقل المؤمن بقضيته، وما أحوجنا إليه اليوم في هذه الأجواء المتوترة الحزبية والخلافات الطائفية المقيتة والاصطفافات الفكرية المنعزلة عن الحوار المتراشقة بالألفاظ وعبارات التخوين، ونلاحظ أن معظم الأطراف الفكرية العربية المتنازعة تتحد وتصفق عند بيت نزاري رقيق أو عند إيقاع أسطوري مدهش لدرويش أو عند عبارة ساخرة لاذعة مطرية! 

والمتأمل في أولئك الشعراء الثلاثة - على سبيل المثال لا الحصر - نستنتج أنه يجمعهم مثلث وصفي أضلاعه:

١- الاستقلالية بشموليتها: نزار مستقل وعانى من ملاحقة السلطات والمنع، ومحمود لم يقبل بمنصب سياسي كان مستقلًا عن السياسة، وأحمد مطر كانت نتيجة استقلاله منفى وصمت طويل وتلك أمثلة على استقلاليتهم الشاملة.

٢ - الإيمان بقضية ما حتى اللحظة الأخيرة: نزار كانت قضيته المرأة حتى لُقّب بشاعر المرأة، ومحمود كانت أنفاسه: قضية فلسطين وأحمد مطر شاغب الحرية المُصادرة في العالم العربي وصارت قضيته الأولى.

٣ - الدهشة في العرض: نزار أدهشنا بتصاويره وجعل اللغة الشعرية عذبة ورقيقة ومن تفاصيل حياتنا اليومية، ومحمود (أنسن) قضيته بشعره الأسطوري الفريد، وأحمد لوّح بلافتاته الإيقاعية الساخرة وعرف الناس قضيته.

حتى وإن اختلفت الآراء حول طريقة عرضهم لقضاياهم؛ إلا أن ذلك المثلث الوصفي الاستنتاجي الواضح كوضوح الشمس لا أحد يستطيع أن يغطيه بغربال التشكيك به أو إنكاره عنهم. 
وعلى الرغم من وجود آلاف الشعراء العرب اليوم إلا أنه من النادر أن نجد فيهم تلك الصفات الثلاث ربما نجدُ فيهم الضلع الأول والثاني؛ ولكن الضلع الذهبي الأول نادر وثمنه باهظ جداً.

متى سيولد ذلك الشاعر العربي الذي يوحد تلك الاصطفافات الفكرية المتنازعة عند كلماته المدهشة الرائعة ويعزف على وترِ قضية إنسانية يؤمن بها حتى اللحظة الأخيرة؛ وليرسم اللوحات الجميلة ويزرع زهور الأمل في الأرجاء وينثر عبير الفرح في الأزقّة والطرقات وينعش نبض اللغة ويرشّ رذاذ التفاؤل في الهواء ويعيد شدّ تلك العلاقة الوثيقة بين إيقاعات الكائن الجمالي ونبضات قلب الإنسان العربي بدلاً من تلك الخلافات والاصطفافات المقيتة ودخان التمزق والتراشق بالألفاظ..؟
إذا توافرت تلك الصفات الثلاث أزف إليكم بشرى ولادة شاعر عربي حقيقي! 



*نشر في مجلة اليمامة بتاريخ : 24 أبريل 2014م


حوار: الكاتب الأستاذ شايع الوقيان .. وشؤون الفلسفة العربية .. حاوره: حمد الدريهم



يُعدّ الكاتب الأستاذ / شايع الوقيان من أبرز الكتّاب السعوديين الذين اهتموا بالكتابة الفلسفية عبر مقالاته الإسبوعية في صحيفة عكاظ ، وهو عضو مؤسس للحلقة الفلسفية بالنادي الأدبي بالرياض وله مؤلفان :


١- الفلسفة بين الفن والأيدلوجيا .
٢- قراءات في الخطاب الفلسفي .


وله العديد من المؤلفات المشتركة منها :
أوراق فلسفية بجزئيه الأول والثاني  الصادر عن النادي الأدبي بالرياض .


ذهبنا معه  في هذا الحوار الماتع  إلى مسائل وقضايا فلسفية  مثل ما بعد الحداثة ، و مدى تأثير الربيع العربي على النتاج الفلسفي  و عن رؤيته لمستقبل الفلسفة في العالم العربي و المملكة العربية السعودية بشكل خاص وغيرها من القضايا الراهنة   .


فإليكم هذا الحوار :


س١ / يقول برتراند راسل :  بأن العلم هو ما تعرف والفلسفة هي ما لا تعرف .. فهل نستطيع  أن نُعطي تعريفا آخر للفلسفة ؟


ج/ كان راسل في معرض حديثه ينتقد بنوع من السخرية ويمكننا أن نعيد صياغة مقولة راسل بطريقة أكثر جدية ونقول بإن العلم جواب والفلسفة سؤال. هنا يبرز الدور العظيم الذي يمكن للفلسفة أن تلعبه في حياة الفكر. هل يمكن إعطاء تعريف آخر للفلسفة؟ بالطبع وقد حصل مرارا ويحصل اليوم كثيرا. لكن برأيي أن "التعريف" لا يكشف عن حقيقة الفلسفة، فالتعريف بالعادة مرتبط بالمذهب الفلسفي الذي ينطلق منه صاحب التعريف وهذا يجعله بالضرورة تعريفا غير جامع. كما أن التعريف ذو طبيعة استقرائية، أي إنه يتعلق بالوجود الفعلي للنص الفلسفي لكنه لا يستطيع القبض على احتمالات النص وممكناته. دائماً ما أُسأل عن تعريف الفلسفة، وأجد في نفسي حرجا من الجواب، لأن السؤال والجواب كليهما لا يغنيان عن المرء شيئا. وكنت أجيب أن أفضل طريق لمعرفة ماهية الفلسفة تكون بممارسة الفلسفة نفسها. وقد يكون فجاً لو قلتُ إن الفلسفة لا يمكن أن يعرفها بشكل صحيح إلا الفلاسفةُ. وهذا تنويع على الفكرة السالفة بأنه من اللازم ممارسة التفلسف حتى نلج إلى عالم الفلسفة.




 س٢/ في تاريخنا الثقافي و الفكري هل نستطيع أن نحدد أسماء بعينها ونطلق عليها كلمة فيلسوف ؟


ج٢/ طبعا هناك فلاسفة عرب وإسلاميون في تاريخنا الطويل، بدءا من المتكلمة والمعتزلة كالعلاف والنظام وغيرهما ومرورا بالفلاسفة التقنيين كالكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وانتهاء بالفلاسفة الأكاديميين كزكي نجيب محمود وعثمان أمين ويوسف كرم وعبدالرحمن بدوي وعزيز لحبابي وطه عبدالرحمن. يضاف إليهم فلاسفة ما بعد الحداثة كعلي حرب وعبدالسلام بن عبدالعالي وفتحى التريكي والسيد ولد أباه ومحمد البنكي وشوقي الزين. وأنا أميل أيضا لإطلاق صفة الفيلسوف على طلاب الفلسفة الذين يمارسون الفلسفة فعليا وبصورة إبداعية ولدينا في منطقة الخليج وخصوصا السعودية نهضة شبابية من هذا النوع.
في العصر الحديث لم تعد هناك حدود "أجناسية" واضحة بين الفلسفة والأدب، لذا فيمكن اعتبار منظري الأدب وليس نقاده فلاسفة بهذا المعنى كالغذامي وصلاح فضل والبازعي والمسدي وجابر عصفور وغيرهم.




  س٣/ في المملكة العربية السعودية برز مؤخرا تيار فلسفي صاعد ؟ بماذا تفسر ذلك البروز ؟
 



أعتقد أن الانهمام الفلسفي الذي نلمسه مؤخرا في بلادنا يعد نوعا ما نتيجة لتطور تاريخي واجتماعي سابق. ففي الدولة الحديثة بدأت نهضة في الشعر والكتابة الأدبية والصحافية مع محمد حسن عواد وشحاتة و وعبدالله عبدالجبار وعبدالكريم الجهيمان وغيرهم.. وتطورت إلى بروز ما يسمى بالحداثة. وهي حداثة أدبية رادها الغذامي والسريحي والثبيتي والصيخان وغيرهم. الصراع بين أدباء الحداثة وأدباء القدامة بدأ أدبيا حقا، لكنه سرعان ما تحول لسجال آيديولوجي بعد دخول رجال الفكر الصحوي على الخط. الصراع بين الحداثة والصحوة تحول بعد أحداث سبتمبر وتفجيرات الرياض إلى صراع جديد برز فيه فكر تنويري ليبرالي مسلح بمفاهيم وقيم جديدة، مع بقاء الصحويين بوصفهم الطرف المضاد. إذن لدينا حقبتان من الفكر الجديد هما الحداثة الأدبية والليبرالية الفكرية. الثاني تعتبر أقرب إلى الفلسفة لأنها تتناول مفاهيم فلسفية راسخة تحديدا في الفلسفة السياسية والاجتماعية، لذا فلا غرابة أن يكون تعرّف الشباب على فولتير وروسو وجون لوك سابق على معرفتهم بكانط وهيجل وهايدجر. لأن الأوائل كانوا يتناولون قضايا مباشرة كالتي نتعرض لها اليوم كالمجتمع المدني وتجديد الفكر الديني والحرية والمساواة ونحوها.لذا من فضائل الليبرالية السعودية أنها قادت مباشرة إلى التعرف على الفلسفة. إضافة إلى دور التقنية والإنترنت في تسهيل الحصول على مصادر الفكر الفلسفي.




 س٤ /  يقال بأن : (كل إنسان فيلسوف بطبيعته)  ؛ بالرغم من ذلك تخشى المؤسسة الرسمية  في السعودية  تدريس الفلسفة لماذا برأيك  ؟ 


لا أعتقد أننا يمكن أن نأخذ عبارة ( كل إنسان فيلسوف بطبعه) على نحو جاد. أقصد إنها لا تتجاوز الإشارة إلى كون الإنسان ذا عقل. والعقل بطبعه لا يكون عقلا ما لم يفهم ولن يفهم حتى يسأل ويبحث. من هنا نجد أن الطفل أكثر تفلسفا إذا أخذنا العبارة أعلاه بجدية من الإنسان الراشد التقليدي. فالطفل يسأل بجدية عن الظواهر وعن كل شيء يحدث أمامه. ولو شئنا الاقتراب من الدقة أكثر لقلنا ( كل طفل بطبعه فيلسوف). الإنسان العادي يرى أن أسئلة الطفل سخيفة ولا غرابة أيضا أن يعتبر أسئلة الفلاسفة سخيفة أيضا.. وهنا يتلاقى الطفل مع الفيلسوف في كونهما ينظران للأشياء المألوفة بنظر غير مألوفة.
امتناع المؤسسة التعليمية في السعودية عن تدريس الفلسفة ليس له سوى سبب واحد وهو أن المؤسسة تعبر عن الفكر السلفي، والفكر السلفي ذو موقف عدائي من الفلسفة ليس لأنه أحاط بالفلسفة علما بل لأن مشائخهم القدماء حاربوا الفلسفة كابن تيمية وابن القيم .


  س٥ / أيهما أكثر فاعلية وتأثيرا ، الفلسفة خارج المؤسسة الرسمية أم داخلها ولماذا برأيك  ؟ 

ج٥/ عربيا، الفلسفة أكثر فاعلية خارج إطار الأكاديميا، لكن في دول أخرى كبريطانيا وأمريكا واليابان وألمانيا فللأكاديميا دور فاعل رغم أنها أحيانا تقف عائقا أمام بعض التجديدات. من هنا نتفهم كيف أن الفلاسفة الفرنسيين تحديدا الذين يمتازون عن غيرهم بالروح الثورية الملازمة لهم يرتابون كثيرا في الأكاديميا.
 

   س٦/ ما هو تقييمك لتجربة الحلقة الفلسفية بالنادي الأدبي بالرياض ومدى التفاعل معها من المجتمع و من فئة الشباب خاصة ؟ 





ج٦/ حلقة الرياض الفلسفية تمتاز بأنها علقت الجرس كما يقال. والتفاعل فيها مثر والحضور يزداد نوعا ما.. وأعتقد أن لها دورا في نشر الفكر الفلسفي في البلد أو على الأقل في الرياض. المجتمع غير متفاعل معها ولا يعرف عنها شيئا. فقط فئة من الشباب المهتمين. المجتمع السعودي لا زال مرتهنا لخطاب واحد هو الخطاب السلفي بكل تمظهرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكل ما ليس سلفيا فلن يكون له حضور اجتماعي مع استثناءات قليلة تتعلق بالأنشطة الترويحية كالرياضة والموسيقى والسينما. ورغم أن حفلات الموسيقى ودور السينما معدومة تقريبا داخل حدود البلد إلا أن تفاعل المجتمع معها قوي جدا والحضور الكثيف للسعوديين في دبي والبحرين ومصر دليل على ذلك.
مع ذلك، فالفلسفة على مدى تاريخها الطويل ليست بذات شعبية. وحتى منذ الإغريق فقد كان الفلاسفة عرضة للسخرية من الناس، ويشير هيجل في رسالة إلى أخته إلى أن عدد طلابه في إحدى المحاضرات لم يتحاوز الأربعة، رغم أن هيجل كان في وقته مالئ الدنيا وشاغل الناس.



 
  س٧/ ما مدى تأثير أحداث الربيع العربي  على النتاج الفلسفي العربي ؟
 


الربيع العربي كان ولا يزال حدثا دراميا غريبا على المثقف العربي وربما يكون ظاهرة فريدة من نوعها على الأقل في العصر الحديث، حيث لم يشهد العالم العربي ثورات شعبية خالصة بمثل هذه السعة والحدة. ولا أخفيك أن الربيع العربي كشف عن تهافت كثير من المفكرين والأباء الذين تكشفت سذاجتهم البالغة في التعاطي مع الحدث؛ أقصد إن الكثيرين نسوا الطبيعة المغايرة للمجتمع وللتاريخ والتعقيد الهائل لهما التي تجعل المقارنة بينهما وبين الحوادث الجزئية والفردية أمرا بالغ الغرابة. مثلا، هناك من غلب عليه الظن أن مشاكل البلدان التي ظهرت فيها الثورات ستحل بمجرد سقوط النظام القديم. وهذا خطأ. فنتائج الربيع العربي لن تظهر في سنة أو ثلاث أو حتى أكثر. فالظواهر الاجتماعية الحدية لا تستبين ملامحها إلا بعد انقضائها وبقاء أثرها.
ما أريد الخلوص إليه هو أن الربيع العربي وبسبب من دراميته التي تجعله "فعلا مستمرا" لا يسمح بالتنظير والتدبر ليس له أثر حالي على النتاج الفلسفي والأدبي.. وسيظهر الأثر لاحقا متى ما تحقق النجاح للحراك الديمقراطي الذي لا يزال يواجه عوائق ربما لا يكون له بها قبَل.


         


  س٨/ نُقد التراث العربي والإسلامي على أيدِ  فلاسفة عرب  وبعض فلاسفة الغرب .. ما الفرق بينهما و ما تقييمك لهاتين التجربتين ومدى تأثيرهما الحضاري  ؟
 




مشروع نقد التراث أدى إلى نتائج رائعة وغنية حتى الآن. وأعتقد أن الحراك الفكري الذي تشهده السعودية اليوم والذي شهدته بلدان أخرى بالأمس كان بسبب هذا التوجه النقدي الجديد. وقد أشرت في غير موضع إلى أن نقد الجابري وأركون وحنفي وجعيط وغيرهم للتراث أثر بشكل عميق في المتلقي السعودي كاتبا أو قارئا.
برأيي أن أول من بدأ النقد الجاد للتراث في العصر الحديث هم رواد النهضة العربية كفرح أنطون وشبلي شميل وأحمد لطفي السيد والكواكبي. لكن نقدهم رغم ذلك لم يكن شاملا بل اقتصر على جوانب التراث السياسي تقريبا. وكان أثرهم في تعريف القارئ العربي بمذاهب فلسفية سياسية لم يكن له بها علم. النقد الشامل جاء تقريبا مع جهود طه حسين ولويس عوض والعقاد والمفكرين القوميين، ومع ذلك فقد كان نقدهم يرمي إلى التأسيس لا التفكيك. لذا نجدهم يهدفون من نقد وتحليل التراث إلى إيجاد شرعية ما للنظريات المحدثة. كما أنهم متأثرين بالخطاب النقدي الغربي أو الاستشراقي. وجهود المستشرقين كانت عظيمة في تحليل الفكر الإسلامي القديم واستظهار شخصيات ومذاهب تاريخية كانت مغيبة كابن رشد وابن خلدون وغيرهما. إلا أن الخطاب الاستشراقي يظل خطابا غربيا ولا علاقة له بالواقع العربي. ومن هنا جاء نقد إدوارد سعيد له وتفكيكه للنزعة المركزية التي تشكل بؤرته الدلالية. جيل السبعينيات وما تلاها وهو جيل الجابري وحنفي وأركون وطرابيشي وطيب تيزيني ومحمد جابر الأنصاري وغيرهم كان جيل النقد بمعناه الحقيقي. أقصد إنه نقد للتراث من داخل التراث ولكن على أرض الواقع العربي وهمومه. وقد مارس نوعا من القطيعة المعرفية مع خطاب الاستشراق خصوصا بعد نقد إدرواد سعيد وما بعد الكولونيالية له وأيضا كتاب هشام جعيط أوربا والإسلام. هذا النقد العلمي للتراث – وإن غلب عليه أحيانا بعض التحيزات القومية أو المذهبية- لا زال فاعلا اليوم. وأعتقد أن الليبرالية السعودية تدين في ظهورها لهذا النقد .



  س٩ /  ذكرت في كتابك الفلسفة بين الفن والأيدولوجيا بأن ((العولمة كواقع عصري هي إرث الإنسانية الذي انتهى في صيغة  أوروبية ؛مع نضوج العقل الأوروبي وإنضاجه لهذا الإرث))  هل تمزقت تلك العولمة ودخلنا إلى زمن ما بعد العولمة ؟ 


هناك ميل في الفكر العالمي إلى الما بعديات. وبرأيي أن هذه المابعديات لا تعبر بدقة عن تحقيب تاريخي-فكري أصيل. صحيح أن هناك فروقا بين ما يسمى الحداثة وما بعد الحداثة مثلا، لكن لا مبرر لاستعمال تلك الألفاظ القطعية لأن الما بعد ليس سوى تطوير طبيعي وتلقائي لما قبله. فالحداثة وما بعد الحداثة يمكن جمعهما في إطار أشمل وهو الحداثة ذاتها. من هنا يتضح أن الفرق ليس جوهريا ولا حتى فرق في الدرجة ولكنه فرق في الأدوات النقدية وفضاء البحث ذاته؛ فالما بعد حداثيين عاشوا في عصر التطور التقني والمعلوماتي والتواصل الحضاري مما أعطى لأفكار الحداثة أبعادا عالمية مع بعض التغيرات التي تلزم عن هذا التوسع.. أقصد أن الحداثة فعلا كانت خطابا أوربيا، لكنها في إطار الما بعد صارت خطابا كونيا وهذا يفسر غياب فلاسفة غير أوربيين في الأولى وحضورهم في الأخرى كإدوارد سعيد وإعجاز أحمد وهومي بابا وأمارتيا صن وغيرهم.
من هذا المنطلق فالعولمة وما بعدها هما فكرة واحدة ولكن ربما اختلفت الأدوات واتسع الميدان. وبرأيي أن الفكرة الأصلية للعولمة تدل لغويا على العالمية. ومن هنا فأي دعوى لما بعد العالمية لن تكون سوى إقليمية أو جهوية. شخصيا أميل لاستخدام العولمة بل إنها هي ذاتها التي تعبر عن تجاوز الفكر والممارسة للإطار التاريخي الغربي وانفتاحه على فضاءات جديدة.




  س١٠/ إلى أين يمضي الخطاب الفلسفي للمشاريع الفلسفية  .. هل توقف عند خطاب ال(مابعد) ؟  


الفلسفة لها "ما بعد" وهو التفكيك الديريدي والفوكوي والدولوزي. أو "النيتشوية" على الإجمال. النيتشوية هي تعبير عن الشكية العارمة وتدمير أسس التفكير المنطقي واللغوي. ورغم الإنجازات العظيمة لهذه المدرسة إلا أن هناك شعورا اليوم بالتململ منها. وهذا التململ يستعيد أطروحات بعض الفلاسفة الذين كان لهم موقف حذر من "ما بعد الحداثة الفلسفية" كهابرماس وريكور في الفلسفة القارية ومايكل دوميت وفريدرك جيمسون مثلا في الفلسفة الأنجلو أمريكية. هذا التململ يتم التعبير عنه في صورة نقد لعجز ما بعد الحداثة عن إقامة نظريات في التواصل مثلا أو في التأويل ؛ بل حتى في السياسة تعرضوا لنقد إدوارد سعيد لانسحابهم خشية الوقوع في الأدلجة. وكذلك انتقد فوكو الذي دعا إلى انعزال المثقف والتخلي عن النموذج السارتري؛ أي نموذج المثقف الملتزم بالقضايا الإنسانية والدولية.

ما بعد الحداثة فلسفة تبرهن على شيء واحد وهو أننا لا نستطيع البرهنة على شيء. وهذه من مفارقاتها. وقد تناولت في كتابي "الفلسفة بين الفن والآيديولوجيا" موقف ما بعد الحداثة وأسميته أزمة الوعي بالأزمة. بمعنى أن خطاب ما بعد الحداثة بطبيعته سلبي (نقدي) والنقد بالعادة يتناول الوضع السائد حتى يقضي عليه فإذا انتهت مهمته تكشفت أزمته، فلا يجد بدا من ممارسة نوع من النقد الذاتي الراديكالي والذي سيفضي به في النهاية إلى تجاوز نفسه والتوجه نحو مرحلة بنائية جديدة، وهذا تقريبا ما يحدث اليوم. فالفكر (والممارسة عموما) لا يمكن أن يؤدي إلى ما يريم إليه ما لم ينطو على وعي ذاتي ووعي بالآخر، فالوعي الذاتي مستحيل بدون الوعي بالآخر والعكس صحيح، لكن معضلة ما بعد الحداثة أنها تنكر ثنائية الأنا والآخر، ومن ثم فهي خطاب لا هوية له. وهم يقرون بذلك ويرفضون مفهوم الهوية لدرجة أن رواد هذه الحركة لم يعطوا تعريفا لها ولا حتى اسما إيجابيا ( فالما بعد ..) ليس اسما. خطاب ما بعد الحداثة الفلسفي يمضى إلى شيء آخر سواه، وهذا ما سيجعل له هوية واسما جديدا أو على الأقل اسما متفائلا لا ينطوي على ما بعد أو نهاية أو موت ... إلخ.



 س١١/ هل أصبحت النظريات الفلسفية  في العصر الحديث خاضعة لمتغيرات واكتشافات العلم وهي التي تتحكم بها  ؟
 


ج١١/ في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع العشرين ظهرت في الفلسفة مدرسة تدعى بالوضعية المنطقية. في الواقع أن الوضعية بدأت قبل ذلك في علم الاجتماع مع أوغست كونت وسنسر ودوركهايم. والوضعية بشكل عام تدعو إلى جعل الفلسفة علما. ولما فشلت دعت إلى جعل الفلسفة خادما للعلم كما كانت خادما للاهوت إبان العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية. أبرز من انتقد هذه النزعة العلموية التي تنكر أصالة الفلسفة دلتاي وهوسرل وفلاسفة الحياة عموما كبرجسون وكيركجارد. وتابع هايدجر وغادامير نقد هذه النزعة. اليوم تكاد أن تتلاشى. فالفلسفة لم تعد خادمة للعلم ولكنها مع ذلك تتأثر به. كما أن العلم ذاته قد تأثر بالفلاسفة وخصوصا المناطقة. وأبرز مثال في القرن العشرين هو تأثير كارل بوبر الفيلسوف على العلوم.

  
س١٢ / لماذا تغيب ظاهرة الفيلسوف الجماهيري بعكس الروائي الجماهيري أو الشاعر الجماهيري   ؟
 

ج١٢/الفيلسوف وَ الجماهيري كلمتان متعارضتان في ظاهرهما، فالفلسفة علم متخصص جدا ولا يتناول المسائل التي تهم الجماهير بشكل مباشر كما يفعل الروائي أو الشاعر أو الصحافي. ومع ذلك فهناك فلاسفة حازوا على نصيب من الجماهيرية أو المقروءية بين غير المتخصصين في الفلسفة.. لا يخفى أن سقراط نار على علم وهو معروف ولكن هذا يعود لمسار حياته ونهايته التراجيدية ولبعض العبارات الرائجة مثل " أعرف نفسك"، " الشيء الوحيد الذي أعرفه أنني لا أعرف شيئا". وهذا ينطبق على نيتشه حيث أن شهرته تعود للشذرات البليغة التي راجت في كتبه الأخيرة.. وجنونه والاشتباه في دوره في ظهور مذاهب القوة السياسية كالنازية. واشتهر شوبنهور لموقفه العدائي تجاه المرأة. وقل مثل ذلك فيما يتعلق ببراتراند راسل بسبب نضاله السياسي ضد الحرب والتي سجن على أثرها وكذلك موقفه من حرب فيتنام وفوزه بجائزة نوبل. الملاحظ أن المذكورين لم يشتهروا بسبب فلسفاتهم بل بسبب مواقف أخرى سياسية أو حياتية أو بسبب القدرة البلاغية للفيلسوف والتي تجعل القارئ يتناوله كأديب.
مع ذلك هناك فيلسوفان يعدان استثناءً؛ كارل ماركس وجان بول سارتر. الأول راجت أفكاره بالفعل بين الناس وعملت على إحداث تغييرات جذرية رهيبة في البلدان التي انتشرت فيها أفكاره. صحيح أن أفكاره تعرضت لبعض التشويه بعدما تمت أدلجتها واستخدامها في استقطاب الجماهير لكنها مع ذلك أثرت بشكل كبير بل إن البعض لا يعرف ماركس ولا حياته الخاصة لكنه يعرف كثير من آرائه السياسية والاقتصادية والفلسفية كمذهبه المادي.وسارتر بالمثل راجت أفكاره بصورة مشابهة وإن اقتصرت على بعض بلدان أوربا. والسبب يعود إلى أن سارتر استخدم القصة والمسرحية في نشر فكره الفلسفي. إضافة إلى أن أفكاره تمس الواقع الحي للإنسان ولمصيره.
بعد انهيار ما يسمى بالأيديولوجيات، ساد نوع من الركود ومال الفلاسفة لشيء من العزلة والكتابة الأكاديمية المتخصصة والمعقدة جدا وصار هناك خوف من الأدلجة والتبشير. لذا لم يعد الفلاسفة يكتبون للناس بل لبعضهم بعضا. لذا ليس هناك فيلسوف مشهور اليوم إلا بعض الماركسيين مثل سلافوي جيجك ونعوم تشومسكي وربما بودريار. لكن شعبيتهم لا تقارن بشعبية ماركس وسارتر ونيتشه مثلا. 




 س١٣/ ما هي رؤيتك لمستقبل الفلسفة في العالم العربي وفي السعودية بشكل خاص  ؟
 


ج١٣/ الفلسفة ليست علما نفعيا كبقية أغلب العلوم وهذا ما يجعلها سيئة السمعة عربيا. فالوضع العربي يحتاج إلى علاج فوري وفعلي ومباشر والفلسفة لا تقوم بذلك. في السعودية والخليج سيكون هناك مستقبل زاهر للفكر الفلسفي، وخصوصا عندما يتم إقراره في التعليم. ورغم خطورة التعليم على الفلسفة إذا كان الأول تعليما تقليديا محافظا إلا أن حضور الفلسفة في المناهج أفضل بكثير من غيابها.
 

 @shayaalwaqian
 @Hmd1_0

الاثنين، 12 مايو 2014


The Last Wikipedier !                 
  













In 2040 , Mark and his gangs who had " Infomania" , will destroy and burn all the theoretical  faculties of universities around the world . After that , the police will throw them  into a prison named (post-wikipedism) .then they will be   executed  . Finally , the people  will read : Death of the Last  Wikipidier as  a breaking news !