في عام ٢٠٠٤م ألّف المفكر الدكتور / عبدالله الغذّامي كتابه الموسومِ ب : الثقافة التلفيزيونية :سقوط النخبة وبروز الشعبي ، حيث قال فيه بسقوط النخبة في ذلك الزمن الذي يتلقى فيه الشعبي الصورة واليوم تحوّل الأمر فأصبح الشعبي هو الذي يتحكم بالصورة وقادرا على صناعة الحدث عبر وسائط العالم الجديد ك: تويتر ، فيسبوك ، يوتيوب ..الخ ؛ إذ ثمة أسئلة تلوح في الأفق حول نتائج ذلك التحول وأثره على ملامح هُوية العالم الجديد وتأثيرها على المستوى الفكري ؟
يصعبُ جدا أن نحدد وصفًا دقيقاً لهذا العالم الذي تدفقت فيه المعلومات وأصبح الإنسان البسيط هو الذي يصنع الحدث ؛ نظرا لامتلاكهِ في كفّه وسائط الإعلام الجديد :تويتر ، فيسبوك ويوتيوب وغيرها ..الخ ؛ ولكن نستطيع أن نعطي ملامح لهذا العالم التواصلي الجديد وأثر تلك الملامح على المستوى الفكري :
١-بثّ الفكرة وصناعة الحدث :
أعتقد أن هذا الزمن يتميز بميزة لم تكن موجودة في أي زمن مضى ألا وهي أن : أي إنسانٍ مهما كان لونه أو جنسه أو دينه أو عرقه وفي أي وقت كان قادر على أن يبثّ ويعرض فكرته للعالم عبر تلك الوسائط الجديدة ،على سبيل المثال : استطاع الأمريكي (تيد ويليامز) أن ينتقل من عالم التشرّدِ إلى عالم النجومية وذلك من خلالِ موهبته الفذّة على تقليد الأصوات الإذاعية القديمة . ذلك الإنسان البسيط بثّ فكرته (تقليد الأصوات الإذاعية القديمة ) عبر اليوتيوب وصنع الحدث وأصبح اليوم من النجوم البارزين في الإعلام الأمريكي .
٢-تقارب الهُويات المتباعدة :
لم يكن في مخيلةِ (جاشو فان الستاين ) ذلك الشاب الأمريكي أن يلقّب في يوم من الأيّام ب : أبي متعب و أن يُحتفى بهِ و أن يتفاعل ويحظى بمكانة خاصة لدى الشباب السعودي .بدأت شهرة ذلك الشاب الأمريكي من خلال المقاطع (اليوتيوبية) التي كان يظهر فيها متقنا للهجةِ السعودية ومولعا بالثقافة الشعبية السعودية فبدا وكأنه من مواليد الرياض أو عنيزة . لا نستطيع أن نغفل تلك الظاهرة الأمريكية :أبو متعب ؛ إذ هو مثال حيّ على تقاربِ الهُويات المتباعدة من خلال الوسائط الإعلامية الجديدة والمتمثلةِ ب :اليوتيوب .
استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تؤثر من خلال إعادة تشكيل الهُوية لدى البعيد (ثقافيا ،اجتماعيا وفكريا ) وخير الأمثلة ذلك الشاب الأمريكي -المذكور آنفاً - .
٣-القلق الحكومي من الفرد :-
شكّلت قضية (سنودون) قلقا بالغا لدى الحكومة الأمريكية عندما قام بفضحِ التجسسِ
الأمريكي على بعض الدول مما أدى إلى ملاحقته قانونيا من قبل الحكومة الأمريكية ، وهذا مثال على قلق أكبر دولة في العالم من من ذلك الشاب (سنودون) ،وظهرت الكثير من القضايا المقلقة للحكومات بسبب مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من الدول وبالأخص دول الربيع العربي إذ إن المتأمل فيها جيدا يجد أن معظمها بدأت من صفحات (الفيسبوك) والتي أنشأها أفراد بسطاء ؛ لذا أصبحت الحكومات غير قادرة على السيطرة على تلك المواقع والتحكّمِ فيها مما يستلزم عليها أن تعطي تلك المواقع أهمية في توعية الناس وفي كيفية استخدامها الاستخدام الأمثل وأنها أصبحت واقعًا لا فكاك منه .
٤-اتّساع القاعدة المعرفية :
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي رافدا مهما للتعلم ، إذ أنها أصبحت بعض الجامعات حول العالم تبث محاضراتها عبر اليوتيوب معتمدةً عليه في نشرِ المعرفة وتكاد تصل تلك المواقع إلى دور الجامعات الأكاديمية الرسمية بحيث يكون الموقع نفسه مرجعا ذاتيا للتعليم ،فعلى سبيل المثال :في السويد أُنشئت (جامعة تويتر السويدية )(Svenska Twitterunversitetet ( وتستغلّ تويتر في نقل المعرفة لروادها بدلا من تلك الفصول التقليدية . معظم الطلاب حول العالم أصبحوا بلمسة إبهام أن يحصلوا على أي معلومة وليست بكبسة زرّ كما هو شائعٌ في الوقت الماضي القريب ؛ لذا القاعدة المعرفية توسعت وهذا بدوره قد يؤدّي إلى تقلّصِ الدور الأكاديمي التقليدي في المستقبل .
٥-سيطرة الافتراضي على الواقعي :
بعد إعلان ستيف جوبز إصدار آبل الجديد :(آيفون) ومتجرها ،انهمك معظم الأفراد حول العالم في تلك الأجهزة وصارت شغلهم الشاغل إلى أن وصل حالهم إلى حدّ الإدمان ، ومع ازديادِ عدد التطبيقات على تلك الأجهزة اللوحية سيطر الافتراضي على الواقعي ؛ ونتيجة لتلك السيطرة اضطرت معظم الجهات الحكومية والمؤسسات العلمية إلى إطلاقِ تطبيقاتها على متجرِ آبل ، وفي بعض الدول صار المواطن يقضي خدماته عبر تلك التطبيقات الذكية في الأجهزة اللوحية أي أنها انتقلت من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية بمجرد لمسة إبهام يستطيع أن يقضي كل احتياجاته .
٦-انكشافُ الأفكار :
أعتقد أن أية فكرةٍ آيدلوجيةٍ أصبجت مكشوفة مساوئها ومحاسنها
وذلك بسبب أن أصحاب الأفكار الآيدلوجية في مواقع التواصل الاجتماعية أخذو في كشف مساوئ الآخر ..مثلاً أصحاب الفكرة الآيدلوجية " أ " يعرضون مساوئ الفكرة الآيدلوجية "ب" والعكس وهذا ماألحظه من خلال مشاهدتي لكثير من المقاطع اليوتيوبية . وبالتالي لا نستغرب بأن من نشأ وترعرع في الفكرة الآيدلوجية " أ " نجده في يوم ما يؤمن بالفكرة الآيدلوجية "ب" بل ويتواصل مع رموز الفكرة الآيدلوجية "ب" .
وأيضا لا نستغرب بأن دولة تحمل الفكرة الآيدلوجية "أ" نصحو في يوم من الأيام ونراها تحمل الفكرة الآيدلوجية "ب" .
كل هذا بسبب مواقع التواصل الاجتماعية التي جعلت الأفكار مفتوحة أمام الناس . باعتقادي إن الفكرة التي تحمل قيم "الخير والحق والجمال " وعرف أصحابها استخدام وعرض الفكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعية فسنراها متسيدة للعالم بأسره .
تلك ملامح لهُوية العالم الجديد المقترن بالضرورة بمواقع التواصل الاجتماعي ، ولاندري قد تتغير تلك الملامح بين ليلة وضحاها في هذا الزمن المتغير المتسارع ؛ إذ لم تكن تلك الملامح موجودة قبل ١٠ سنوات أو يزيد ..وهذا دليل على أن العالم في تبدل و تسارع وتغير ولتلك الملامح -المذكورة آنفاً- آثار على المستوى الفكري ومنها :
آثار تلك الملامح :
١-سيطرة الفرد على صناعة وبث الفكرة إذ أصبح قادرا على صناعة الحدث في أي وقت شاء ومن أي مكان .
٢-الإدمان على تلك المواقع وبالتالي أثرت بشكل مباشر على المستوى النفسي والفكري للفرد كتشتيت الذهن مثلا .
٣-تقلّص الأدوار التقليدية للمؤسسات الرسمية سواء أكانت :حكومية أو أهلية .
٤-التأثير السريع والقدرةِ على إعادةِ تشكيل الهُوية لدى الأفراد مهما كانت مسافة بعد المكان والزمان .
٥-تحول الإنسان من دوره التقليدي في الإنتاج و العمل إلى الدور الافتراضي .
٦-رفع مستوى الوعي لدى الفرد ؛بحيث أصبح يتلقى معظم الأفكار عبر تلك الوسائط لا عبر التلقين الذي تعوّد عليه .
٧-سيطرة التعاملات الالكترونية من خلال الحكومات الإلكترونية و التعاملات الذكية عبر الحكومات الذكية مما ينذر بغياب الورق في المستقبل .
- اقتران معظم القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية في المحاكم بسبب ما أفرزته تلك المواقع الاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر .
ملاحظة : هذا المقال شاركت به في مسابقة صوت التنمية بعمان ونلت المركز الثاني على مستوى العالم العربي ولله الحمد .